لماذا لا تتزوج المسلمة غير المسلم؟

طه عامر سليمان*

تدور أسئلةٌ ونقاشاتٌ كثيرةٌ بين شبابنا في مختلف مناطق العالم، وفي الغرب خاصة، حول قضايا شائكة تفرض نفسها، ونظراً لتطور الوجود الإسلامي واستقبال أجيال جديدة من أبناء المسلمين الوافدين، فإننا معاشر الآباء نجد أنفسنا أمام إشكالات جديدة لا عهد لنا بها، من حيث الجرأة في الطرح وعدم القناعة بأجوبة موجزة، فقد دَرَجْنا في البلاد العربية والإسلامية -خاصة – على تَلَقِّى المُسَلَّمات دون تساؤل أو حوار، وقد مضى هذا الزمان وولَّى، ولا مناص الآن أمام هذه الأجيال من النقاش الحر، وامتلاك قوة الحجة، والتزود ببعض فنون الحوار.

والإسلام يحفل كثيرا بكل فرصة متاحة للبلاغ المبين، ولا يضيق صدره بمن يسأل عن العلل والغايات ليتعلم ويرتقي، بل هذا هو الذهب المخبوء الذي يفتش عنه، ولكن لا يَخْفَى أن هناك محاولات مستميتة للتشكيك في المُسَلَّمات الثابتة بالنصوص القطعية، والاستهانة بإجماع العلماء قاطبة منذ أربعة عشر قرنا، والعجيب أن يظهر علينا من حين لآخر مَن يَدَّعي حق الاجتهاد فيما لا اجتهاد فيه، ولو صدق لنفع الأمة والناس فيما يحسنه .

رحم الله شيخنا محمد الغزالي حينما قال في كتابه “ليس من الإسلام”: “قرأت كتابا لأحد المهندسين يفسر فيه حقيقة الصلاة تفسيرا لم يعرفه المسلمون طوال أربعة عشر قرنا، فعجبت لهذا الحُمق في خَرْق الإجماع، وقلت: أمَا يجد هذا المخترع مجالا لذكائه في ميدان الهندسة ليتقدم فيه بدل أن يشغل نفسه ويشغلنا معه بهذه التوافه؟؟ وعلى أية حال فالواقع يفرض علينا أن نأخذ بعين الاعتبار تلك الإشكالات الفكرية، ونجيب عنها بهدوء، ونبذل جهدنا في البيان والتوضيح، وربنا الرحمن المستعان” .

بادرني أحد الشباب يوما قائلا: إن زوجتي الألمانية تسألني: لماذا يجوز للمسلم أن يتزوج غير المسلمة ولا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم؟ أليس إجحافا؟ ثم باغَتِني غيره، لماذا يَحجز الدين بين المُحبين؟ ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم “لم يُر للمتحابين غير الزواج؟ قلت بلى.. لقد قال ذلك حقا، لكن على رِسْلك.. وبينت لهما بعض ما أردت تسطيره في هذا المقال.

ماذا يعني الميثاق الإلهي؟

حتى نفهم توجهات ومسالك الأمم والشعوب في الحياة يجب أن نعود إلى الأصول التي تحركها وتقود حركتها وخياراتها، وإذا أردنا معرفة أسباب تحريم زواج المسلمة من غير المسلم يجب أن نعود إلى جملة من القواعد الحاكمة والأصول الثابتة وندرك أبعادها جيدا، فالزواج في الإسلام- في أصله- ميثاق ديني؛ فالوحى ينشئه ويضع قواعده وحدوده، وليس قانونا من وضع البشر.

ماذا يعني ميثاق إلهي؟ ولماذا جاء هذا الوصف لعقد الزواج في كتاب الله؟

لقد أضفى الله على هذا العقد وصفا مشابها للعهد الذي أخذه على النبيين والمرسلين وعلى العلماء الذي يبلغون رسالات الله فقال تعال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7) ووصف ميثاق العلماء: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (البقرة: 187). وجاء في شأن وصف عقد الزواج: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 21)، وأما وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء فكان آخر العهد في حجة الوداع قوله: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ”.

حارس الأسرة الأكبر

من أهم خصائص الإسلام في بناء الفرد والأسرة والمجتمع، الإلحاح الكبير المتكرر لبناء الضمير وإيقاظ القلب والنظر للآخرة والتعلق بما أعده الله للمتقين والدرجات العلى لأكمل الناس أخلاقا وأكثرهم رحمة ورفقا بالخلق، وتلك خطة في غاية الذكاء، إذ يستحيل أن تجعل على كل إنسان حارسا، أما إذا كان المرء صاحب قلب ينبض وضمير حي فحسبه الذكرى، وهذا أعظم حارس على الأسرة، وإذا قرأت سورة البقرة وتحديدا من الآية 221 إلى الآية 241 ستجد أن الله يذكرنا كثيرا بتقواه ويحذرنا من تجاوز حدوده، وستقرأ مثلا:

“وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ …….

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ …..

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ …..

تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ …

وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ….

وتذييل كل آية عجيب، إذ يغرس في القلوب مراقبة الله والعلم بأنه محيط بما نعلن وما نخفي. وتأملوا سورة الطلاق ستجدون بين ثناياها نفس المنهج والفلسفة، هذا هو الحارس الذي يحمل كلا الزوجين على حسن العشرة والصبر والاحتمال والتعامل بالفضل، والحذر من الظلم وكفران العشير.

الأحكام الشرعية وبناء الأسرة

ينظم الإسلام شئون الحياة الزوجية بتفاصيل دقيقة تفضي إلى تحقيق مقاصد الشرع نحو السكينة الروحية والمودة القلبية والأخلاق الربانية والسعادة النفسية، وهذا ظاهر من خلال دقائق التشريع الإسلامي، بداية من معايير اختيار الزوجة أو الزوج والخِطبة وآدابها، والزواج وأحكامه، والعقد وأركانه، وفقه العلاقة الزوجية، والحقوق والواجبات المتبادلة، ومنهج فض النزاع، وأحكام الطلاق، والرَّجعة، والوصية والميراث والعِدَّة وغير ذلك من الأحكام، ما يؤكد على فكرة المرجعية الدينية، مع ملاحظة كونه في مجتمع مدني يراعي أعرافه ونُظُمه.

الوحي ودائرة الزواج

في الجاهلية كان الرجل يتزوج زوجة أبيه – إذا مات – ولا حرج، ويجمع بين الأختين بلا نكير، ويتزوج بغير حصر، ويطلق ويراجع كيفما شاء، ولا تسأل عن أدنى حق للمرأة البائسة في ذلك الزمان الغابر، واشتهرت أصناف مجنونة من الزواج، كزواج البدل وغيره، فجاء الإسلام وأعلن إبطالها، ووضع الضوابط لسلامة المجتمع وصيانة أعراضه والحليلولة دون السقوط في درك الشهوات المدمرة، فقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (النساء: 23).

فالناظر هنا يجد أن الله تعالى لم يترك تشريع بناء الأسرة ونظامها ودستورها وأحكامها لأهواء الناس واجتهاداتهم أو لتغير الزمان والبيئات والظروف والأحوال، أو لما تستحسنه عقولهم أو تستقبحه، وإلا انهارت وتحللت، كما هو مشاهد حاليا في بقاع واسعة من العالم.

ما هو دليل التحريم؟

أجمع الفقهاء قديما وحديثا على تحريم زواج المسلم من مشركة وعلى تحريم زواج المسلمة من مشرك قال تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة: 221).

قال شيخ المفسرين الإمام الطبري: “إن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان، فلا تُنكحوهنَّ أيها المؤمنون منهم، فإنّ ذلك حرام عليكم، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ولو شرُف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه”، وقال الإمام القرطبي: “أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه؛ لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام”.

والاختلاف قائم حول زواج المسلم بكتابية، فهناك من العلماء مَن منع لاعتبارات عديدة، والراجح الجواز لعموم الآية المُبيحة، مع الضوابط المعلومة، والمسألة تتعلق بالفتوى أكثر من الحكم، وليس محل بحثها حاليا.

انتبهوا معي الآن

سيقول قائل: لن تتزوج المسلمة بمشرك إنما بكتابي، فأين دليل الحرمة؟ نقول: أباح الله زواج المسلم من أهل الكتاب بعد تحريم زواج المشركة بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (المائدة: 5).

ولو لم تنزل هذه الآية لبقى التحريم والحظر عاما على المسلم. ما يعنى تحريم الزواج من المشركة والكتابية على السواء، لكن لمَّا ثبت تخصيص المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، ولم يثبت تخصيص الرجال من أهل الكتاب، بقي النهى والتحريم على أصله وإطلاقه في حق المسلمة، وهذه نقطة مركزية في فهم دليل التحريم.

دليل الإجماع يؤكد التحريم

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: “اختلاف الأفهام في حكمٍ أمْرٍ ما محتمل، فإذا تقرر الحكم – مُرتكِزا على نقل ثابت – وارتفعت الاحتمالات التي قد تنصَب لاعتراضه، ووقع الاتفاق من أهل الذكر على قبوله، فمعنى ذلك أن الحكم حق، وأن الأمة أجمعت عليه، وأن على سائر المسلمين الأخذ به دون توقف، وقد عرَّف العلماء الإجماع بأنه ” اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر ما على حكم شرعي”، ثم يقول: ومنزلة الأمة الإسلامية كبيرة عند الله، وإعزازه لها يبعد معه أن تضل في فهم أو تزل في حكم، ويقول الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143).

أي أنَّ الله جعل المسلمين حجة على الناس في قبول أقوالهم، كما جعل الرسول حجة على المسلمين في قوله، وبديهي أن المقصود بالمسلمين ليس هَمَلُهم الذين لا يحسنون صنعا ولا قولا، بل هم أهل العلم والتُّقى، والخبراء في فقه الكتاب والسنة، وقد تظاهرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووردت بألفاظ مختلفة على ألسنة الثقات مثل قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تجتمع أمتي على ضلالة”، “عليكم بالسواد الأعظم”. انتهى باختصار وتصرف يسير.

قلتُ: فما بالنا إن كان الإجماع هو إجماع الصحابة بلا خلاف، ومن جاء بعدهم من التابعين وقوافل الفقهاء والمفسرين والمحدثين عبر القرون الغابرة إلى يومنا، وما يجدر ذكره ويؤكد التحريم أن هناك نزاعا كبيرا بين العلماء فيمن أسلمت قبل زوجها، هل يُفَرق بينهما أم تبقى تحته دون أن يقربها أم يبقى الزواج على حاله؟ وقد ناقش المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تلك القضية في عدد من الدورات المتتابعة ونشرت مجلته العلمية بحوثا رصينة في هذا الموضوع.

والمستفاد هنا: كون النزاع دائرا فيمن أسلمت قبل زوجها فمتقضى ذلك: أن الأصل عدم صحة زواجها منه ابتداءً، يقول الشيخ فيصل مولوي رحمه الله في بحثه القيم إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه: “الإجماع منعقد فعلا بين جميع المذاهب السنية الأربعة والظاهرية مع الشيعة الجعفرية والزيدية، ولم نسمع ما يخالف ذلك عن أحد من العلماء المجتهدين، أن المسلمة لا تحل لغير المسلم…..” باختصار

لماذا يتزوج المسلم الكتابية ولا يتزوج المشركة؟

ليس للمسلم أن يتزوج كيفما شاء وأيتها أراد، لهذا حرَّم الله عليه الزواج من المشركة” الوثنية أو من لا دين لها” بينما تحل له الكتابية، ذلك لأن الاعتراف بدين المشركة مفقود، وكيف يُؤسس بيت على أسباب التنافر والشقاق؟ فلا يجوز له أن ينكر على اليهودية والنصرانية خيارها وقناعتها، لأنه يحترم نبيها ويُجله وهو عنده من أولى العزم من الرسل، ولا يصح إسلامه إلا بكمال الإيمان بجميع الرسل عليهم السلام.

تربية الأولاد مسؤولية شرعية

للمسلم طريق ومذهب وغاية في الحياة تختلف عن غيره ولا ريب، فقد آمن بالله رب العالمين الذي أوجده لغاية عظيمة تجمع بين الصلاح والإصلاح والنجاح والفلاح، وفي كل صلاة يدعو {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ” وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (التحريم: 6) فكيف يكون حال المسلمة مع ربها؟ وكيف تؤدي شعائر دينها الفردية والجماعية وبينها وبين زوجها حاجز وحجر محجور؟!

إننا لو علمنا أن فتاة مسلمة ستتزوج بمسلم عاق لوالديه جاحد لفضلهما أو تارك للصلاة لرفضنا ذلك الزواج، وقطعنا بفشله وشقاء تلك الفتاة، لبُعد ما بينهم، فكيف بمن ينكر نبوة خاتم المرسلين؟! كيف نتصور أن يعينها على ولوج سبيل المؤمنين وتربية أبنائها على محبة الله ورسوله والتعلق بدينه؟! ربما يقول قائل: وماذا لو قال الرجل سأضمن لها حرية العقيدة وسأساعدها في تربية أولادها على دينها؟

نقول: أولا: إن التربية الإسلامية المنشودة ليست كلمات نرددها بألسنتنا، ولا حركات نقوم بها بجوارحنا، إنما هى حال وسلوك وخلق واستقامة وقدوة كاملة، فكم من والد مسلم لا يُصدق حالُه مقالَه، فيفقد التأثير في أبنائه، فكيف يُقَدم غير المسلم لأولادنا القدوة في مقتضيات أحكام الإسلام وتعاليمه؟ هل يُعقل أن يُعلم مُدرس لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر عقيدة التوحيد للطلاب؟ سيكون عبثا في عبث.

ثانيا: إن أحكام الإسلام عامة منضبطة بعلة واضحة، ولا تصمم لأفراد، كذلك قوانين الدول التي تسري على المواطنين، تتعامل مع الظواهر المنضبطة ولا علاقة لها بما تخفي الصدور، ولماذا نلحظ الكفاءة في المستوى التعليمي والاجتماعي ولا نلحظه في الدِّين وهو أَوْلى؟!

هل من المساواة زواج المسلم بغير المسلمة بينما لا يجوز العكس؟

نقول هناك فرق بين المساواة والعدل، فالمساواة ليست هي العدل دوما، وفي حالتنا نقول المساواة تكون تجاوزا للنصوص الواضحة، وبناء بيت على أرض هشة تفقد مقومات الزواج المستقر الذي يتحقق معه مقاصده، وليس من المساواة أن يعترف الزوج المسلم بدين زوجته الكتابية ويحترم الرسل الكرام ثم نبيح زواج مسلمة لرجل يجحد كتابها ودينها ورسولها.

على أننا حينما نستدعي قيمة المساواة هنا تغيب عنا قيم أخرى أولى بالاعتبار منها، وهي قيمة الوئام والتوافق والكفاءة والانسجام بين الزوجين، وتوسيع مفهوم الأسرة ليتجاوز العلاقة بين الزوجين إلى ما سماه القرآن: {نَسَبًا وَصِهْرًا} (الفرقان: 54) سيكون هناك أقارب وأرحام من الطرفين، والأصل أن نبدأ الحياة على أساس التوافق المجتمعي المستقر.

هل الابتلاء فيما نحب فقط؟

قد يعاف المريض الدواء وفيه نجاته وشفاه، ويمتنع عن أطايب الطعام لأن فيه هلاكه وبلواه، فالابتلاء ليس فقط فيما نكره بل فيما نحب أيضا، وما استحق امرؤ مكانة في الدنيا ولا في الآخرة إلا بصبره وتلمُّس مراضي الله، وما يريد الله بنا إلا الخير والسعادة، وها نحن في هذه الأيام المباركة نعيش أيام الحج وذكريات الأسرة الإبراهيمية وذكرى الفداء حينما أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام أن يذبح ولده بيده، ويا له من ابتلاء عظيم، غير أن الله تعلمنا يعلمنا أنه لا يريد بنا عسرا ولا مشقة، إنه اختبار صدق القلوب وإخلاص التوجه لخالق السموات والأرض، {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}. ومتى جعل المسلم عاطفته خلف عقله فقد سلم ونجا، وإن انقاد العقل للهوى فقد هوى صاحبه وهلك.

كيف نتعامل مع من تزوجت بغير مسلم؟

إن دورنا هو البيان والبلاغ والنصح والتوجيه ومخاطبة العقول والقلوب والأرواح، فمن عصى وشرد عن سبيل المؤمنين فله علينا حق النصح الخالص دون عنف أو قطيعة أو محاصرة، والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، ومما جاء في فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في فتواه- التي بيَّن فيها بطلان هذا الزواج إن وقع، وأنه من الكبائر- وعلى أسرتها مع استنكار فعلتها أن تعاملها بالحكمة، وبالفقه النبوي في التعامل مع المخطئ مهما عظم جرمه، وأن يعينوها على تمسكها بدينها هي وأولادها، وأن يبقوا على صلتهم بها، وأن يتجنبوا أي سلوك يعقّد الأمر، ويحدث الفتنة، ويقطع الرحم ”

ماذا نفعل كي نجنب أبناءنا الفتنة؟

علينا أن نحسن تربية أبنائنا تربية واعية ناضجة تستمد من العلم من يعينها، وتستلهم من تجارب الآخرين الناجحة ما يسددها، وتعمد على الله تعالى أولا وآخرا، ولا يخفى أثر الصحبة على مذاهب الشباب في الحياة، فلتحرص الأسرة المسلمة على المناشط التربوية والتعليمية التي تقيمها المؤسسات الإسلامية في أوروبا، وعلينا معاشر الدعاة والمربين والقائمين على إدارة المساجد والمؤسسات الإسلامية دور كبير في تطوير مضمون الخطاب الموجه للشباب، وتبني خطة التحصين والوقاية منذ الصغر، وغلق أبواب الفتنة بمشروعات عملية لإعفاف الشباب .

——

* رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا. والمقال منقول من مدونات الجزيرة.

مواضيع ذات صلة