الإيمان بالقدر .. حقيقته ومراتبه

نؤمن بأن أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولا يتم إيمان أحد إلا إذا آمن بها جميعًا على الوجه الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما من جحد شيئًا منها فقد خرج عن دائرة الإيمان وصار من الكافرين بها. وقد جاء ذكر هذه الأركان في الكتاب والسنة، ونذكر من ذلك الأمثلة التالية:

الإيمان بالقدر؛ أحد أركان الإيمان الستة

الإيمان بالقدر؛ أحد أركان الإيمان الستة

قوله عز وجل: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير” (البقرة: الآية 285).

و قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإيمان: “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره” (رواه الإمام مسلم في صحيحه).

حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر:

والإيمان بالقضاء والقدر هو السعادة، وهو ركن الإفادة من هذه الدنيا، وبالاستفادة منه تنشرح الصدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياة عندما يسلِّم العبد زمام أموره لخالقه، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدّر عليه، فتراه يحكي عبدًا مستسلمًا لمولاه، الذي خلقه وأنشأه وسواه، وبنعمه وفضله رباه وغذاه، فيسعد في الدنيا ويؤجر في الأخرى.
ولا يتم ذلك إلا لمن فهم القضاء والقدر، وعرف أسراره، وعلم حكمه على فهم سلف الأمة، فهم على علم أقدموا، وعن فهم كفوا وأحجموا.

القضاء والقدر لغة وشرعا: 
القضاء لغة هو: الحكم، والقدر: هو التقدير.
فالقدر: هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه.
والقضاء: هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع.
وعلى هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه.

والإيمان بالقدر هو الركن الخامس من أركان الإيمان، كما دل على ذلك حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْس) رواه مسلم. والمراد بالعجز الكسل عن أداء الأعمال، والكيس: النشاط والحذق في الأمور، والمعنى أن العاجز قد قُدِّرَ عجزه، والكيِّسُ قد قُدِّرَ كَيْسُه. وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49).

ولما كان الإيمان بالقدر بهذه المنزلة من الدين، كان جاحده ومنكره من الكافرين، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني محمد رسول الله بعثي بالحق، ويؤمن بالموت، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر) رواه الترمذي وصححه الألباني.

ومعنى القدر شرعًا: هو تقدير الله عز وجل الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وصفات مخصوصة، وكتابته -سبحانه- لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها.

مراتب القدر:

وبموجب هذا التعريف يتبين لنا أن مراتب القدر أربعة:
المرتبة الأولى: العلم، والمراد به علم الله الأزلي بما كان وما يكون، وبما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة، قال تعالى: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} (الطلاق: 12)، وقال تعالى: {إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: من الآية 115)، وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: (قال رجل يا رسول الله: أعُلِمَ أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم، قال: ففيم يعمل العاملون ؟ قال: كل ميسرٌ لما خلق له) رواه البخاري ومسلم.

والمرتبة الثانية: الكتابة، والمقصود منها الإيمان أن الله كتب مقادير الخلائق كلها في كتاب عنده، قال تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام: 38)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) رواه أبو داود وصححه الألباني.

والمرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر: الإيمان بمشيئته سبحانه، وأن كل ما يجري في الكون إنما هو بإرادته سبحانه، لا يخرج شيء عنها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} (التكوير: 29)، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء} رواه مسلم.

والمرتبة الرابعة من مراتب الإيمان بالقدر: الإيمان بأن كل ما في الكون، من خلق الله عز وجل وتكوينه، قال تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} (الزمر: 62).

هذا هو معنى القدر وتلك هي مراتب الإيمان به، فإذا تقرر لدى المسلم هذا المعنى اطمأنت نفسه، وهدأ باله، وعلم أن له من ربه حافظًا ومعينًا، فالكل يجري تحت علم الله وبصره، والكل يمشي بمشيئته وقدره، فهو المقدر وهو الميسر، ومقاليد الأمور جميعًا بيده، فكيف يخاف المسلم من غيره، أو يتوكل على سواه.

.

 

مواضيع ذات صلة