تاريخ النشر الأصلي 2019-11-19 13:41:52.
إعداد/ فريق التحرير
في مضمون الإيمان والإسلام
الإيمان هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان عند الإطلاق؛ لأن الإيمان تصديق القلوب وكل ما يتعلق بالإسلام من قول وعمل، والإسلام كذلك هو الانقياد لله والخضوع له بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه، فإذا أطلق أحدهما شمل الآخر، كما قال عز وجل: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ.. ” (سورة آل عمران: 19)، يعني والإيمان داخل في ذلك، أما إذا جُمعا فإن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، إذا جمع بينهما كما في حديث جبريل لما سأل النبي عن الإسلام والإيمان، فَسر له النبي الإسلام بالأمور الظاهرة كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، وفسر له الإيمان بأمور باطنة قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)، هذا هو الفرق بينهما: عند الاجتماع يكون الإسلام المراد به الأعمال الظاهرة، والإيمان الأعمال الباطنة.
ولكن عند انفراد أحدهما يدخل فيه الآخر، وهكذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، فالإيمان بضع وسبعون شعبة يدخل فيه الإسلام؛ ولهذا ذكر أفضل ذلك: لا إله إلا الله، وهي أصل الإسلام، فدل ذلك على أن الإيمان إذا أطلق دخل في الإسلام، وهكذا إذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان عند أهل السنة.
الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان
الفرق بين الإيمان والإسلام
لا شك أن هناك فرقا كبيرا بين المسلم والمؤمن أو فلنقل بين الإيمان والإسلام، فالإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح. أما الإسلام فيقصد به الاستسلام لله والخضوع له والانقياد لحكمه، فقد قال المولى عز وجل: “قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم” (سورة الحجرات: 14).
والإسلام والإيمان كما يقول ابن تيمية: يجتمع فيهما الدين كله، وقد كثر كلام الناس في [حقيقة الإيمان والإسلام]، ونزاعهم، واضطرابهم. والنزاع في ذلك من حين خرجت الخوارج بين عامة الطوائف.
ونحن نذكر ما يستفاد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما يستفاد من كلام اللّه تعالى فيصل المؤمن إلى ذلك من نفس كلام اللّه ورسوله، فإن هذا هو المقصود.
فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء، بل نذكر من ذلك في ضمن بيان ما يستفاد من كلام اللّه ورسوله ما يبين أن رد موارد النزاع إلى اللّه وإلى الرسول خير وأحسن تأويلا، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة.
فنقول: قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام بين مسمى [الإسلام] ومسمى [الإيمان] ومسمى [الإحسان].
فقال “الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا”.
وقال “الإيمان: أن تؤمن باللّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره”.
والفرق مذكور في حديث عمر الذي انفرد به مسلم، وفي حديث أبي هريرة الذي اتفق البخاري ومسلم عليه، وكلاهما فيه: أن جبرائيل جاءه في صورة إنسان أعرابي فسأله.
وفي حديث عمر: أنه جاءه في صورة أعرابي.
وكذلك فسر [الإسلام] في حديث ابن عمر المشهور، قال “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”.
وحديث جبرائيل يُبين أن الإسلام المبني على خمس هو الإسلام نفسه ليس المبني غير المبني عليه، بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات أعلاها: الإحسان، وأوسطها: الإيمان، ويليه: الإسلام، فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مؤمن محسنًا، ولا كل مسلم مؤمنا، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه في سائر الأحاديث، كالحديث الذي رواه حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من أهل الشام، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له “أسلم تسلم. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك للّه، وأن يسلم المسلمـون مـن لسانك ويـدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن باللّه وملائكته، وكتبه ورسله، وبالبعث بعد الموت. قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال: أن تجاهد، أو تقاتل الكفار إذا لقيتهم، ولا تَغْلُل، ولا تَجْبُن. ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: عملان هما أفضل الأعمال، إلا من عمل بمثلهما قالها ثلاثا حجة مبرورة، أو عمرة” رواه أحمد، ومحمد بن نصر المروزي.
مراتب الإيمان الأربعة
ولهذا يذكر هذه (المراتب الأربعة) فيقول المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمهاجر من هجر السيئات، والمجاهد من جاهد نفسه للّه”.
وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد اللّه بن عمرو، وفَضَالة بن عبيد وغيرهما بإسناد جيد، وهو في السنن، وبعضه في الصحيحين.
وقد ثبت عنه من غير وجه أنه قال “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والم، ولولا أمنه الناس على دمائهم وأموالهم”.
ومعلوم أن من كان مأموناً على الدماء والأموال؛ كان المسلمون يسلمون من لسانه ويد، ولولا سلامتهم منه لما ائتمنوه.
وكذلك في حديث عبيد بن عمير، عن عمرو بن عَبَسة.
وفي حديث عبد اللّه بن عبيد بن عمير أيضاً عن أبيه، عن جده؛ “أنه قيل لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: إطعام الطعام، وطِيبُ الكلام. قيل: فما الإيمان؟ قال: السَّمَاحة والصبر. قيل: فمن أفضل المسلمين إسلاماً؟ قال: من سَلِم المسلمون من لسانه ويده. قيل: فمن أفضل المؤمنين إيماناً؟ قال: أحسنهم خُلُقاً. قيل: فما أفضل الهجرة؟ قال: من هَجَر ما حَرَّم اللّه عليه. قال: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القُنُوت. قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: جُهْد مُقل. قال: أي الجهاد أفضل؟ قال: أن تجاهد بمالك ونفسك، فيُعَقْرُ جَوَادُك، ويُراق دَمُك. قال أي الساعات أفضل؟ قال: جَوْف الليل الغَابِر”.
ومعلوم أن هذا كله مراتب، بعضها فوق بعض، وإلا فالمهاجر لابد أن يكون مؤمنًا، وكذلك المجاهد؛ ولهذا قال الإيمان: السماحة والصبر”، وقال في الإسلام: ”إطعام الطعام، وطيب الكلام”.
والأول مستلزم للثاني؛ فإن من كان خلقه السماحة، فعل هذا بخلاف الأول؛ فإن الإنسان قد يفعل ذلك تَخَلُّقاً، ولا يكون في خلقه سماحة وصبر.
وكذلك قال: ”أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
وقال: ”أفضل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا”، ومعلوم أن هذا يتضمن الأول؛ فمن كان حسن الخلق فعل ذلك.
قيل للحسن البصري: ما حُسْن الخلق؟ قال: بَذْل النَّدَى، وكَفُّ الأذى، وطلاقة الوجه. فكف الأذى جزء من حسن الخلق.
وستأتي الأحاديث الصحيحة بأنه جعل الأعمال الظاهرة من الإيمان كقوله “الإيمان بِضْعٌ وسبعون شُعْبَة، أعلاها قول لا إله إلا اللّه، وأدناها إمَاطَة الأذى عن الطريق”.
وقوله لوَفْد عبد القَيْس ”آمركم باللّه وحده، أتدرون ما الإيمان باللّه وحده؟شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خُمُسَ ما غَنِمْتُم”.
ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً باللّه بدون إيمان القلب؛ لما قد أخبر في غير موضع، أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان، وفي المسند عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ”الإسلام عَلاَنِيَة، والإيمان في القلب”.
وقال صلى الله عليه وسلم “إن في الجسد مُضْغَة، إذا صَلُحَت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد،ألا وهي القلب”.
فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً، بخلاف العكس.
وقال سفيان بن عُيَيْنَة: كان العلماء فيما مَضى يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سَرِيرَته، أصلح اللّه علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين اللّه، أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته، كَفَاه اللّه أمر دنياه. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [الإخلاص].
فعلم أن القلب إذا صلح بالإيمان، صلح الجسد بالإسلام، وهو من الإيمان؛ يدل على ذلك أنه قال في حديث جبرائيل “هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم”.
فجعل الدين هو الإسلام، والإيمان، والإحسان.
فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة، لكن هو درجات ث، لكن: مسلم ثم مؤمن ثم محسن، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32]، والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه. وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع تصديق القل، لكنن لم، والمحسنونب عليه من الإيمان الباطن، فإنه معرض للوعيد، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه.
الفرق بين الإيمان والإسلام والإحسان
وأما [الإحسان] فهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإيمان.
و[الإيمان] أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإسلام. فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين،والمؤمنون أخص من المسلمين.
وهذا كما يقال: في [الرسالة والنبوة]، فالنبوة داخلة في الرسالة، والرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها؛ فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، فالأنبياء أعم، والنبوة نفسها جزء من الرسالة، فالرسالة تتناول النبوة وغيرها بخلاف النبوة؛ فإنها لا تتناول الرسالة.
والنبي صلى الله عليه وسلم فسر [الإسلام والإيمان] بما أجاب به، كما يجاب عن المحدود بالحد، إذا قيل: ما كذا؟ قيل: كذا، وكذا.
كما في الحديث الصحيح، لما قيل” ما الغِيبَة؟ قال: ذِكْرُك أخاك بما يَكْرَه”.
وفي الحديث الآخر “الكِبْر بَطَر الحق، وغَمْط الناس”.
وبَطَر الحق: جحده ودفعه.
وغَمْط الناس: احتقارهم وازدراؤهم.
وسنذكر إن شاء اللّه تعالى سبب تنوع أجوبته، وإنها كلها حق.
ولكن المقصود أن قوله “بُنِي الإسلام على خمس”، كقوله الإسلام هو الخمس” كما ذكر في حديث جبرائيل؛ فإن الأمر مركب من أجزاء، تكون الهيئة الاجتماعية فيه مبنية على تلك الأجزاء ومركبة منها؛ فالإسلام مبني على هذه الأركان وسنبين إن شاء اللّه اختصاص هذه الخمس بكونها هي الإسلام، وعليها بني الإسلام، ولم خصت بذلك دون غيرها من الواجبات؟