المسلمون في الهند.. ماضٍ عريق وواقع مؤلم (12-2)

تاريخ النشر الأصلي 2018-05-21 12:56:32.

مسلمون حول العالم.. يحتاجون لمن يتعرف عليهم أكثر.. لمن يلمس معاناتهم، ويشعر بطموحاتهم.. ويتحسس مشكلاتهم.. ويشاركهم إنجازاتهم.. سنجمع أخبارهم من كل مكان.. من خلال جولة لرصد حياتهم عن قرب.. والمحطة الثانية كانت من الهند 

الهند

شبه القارة الهندية عالم قائم بذاته جغرافيًا في قلب القارة الآسيوية، ففي الشمال جبال الهمالايا الشامخة والتي تعرف بسقف الدنيا.

عندما نتكلم عن بلاد الهند في التاريخ فإننا لا نعني بذلك دولة الهند القائمة اليوم بحدودها المعروفة، ولكن نعني بذلك شبه القارة الهندية التي انقسمت بفعل الاحتلال الصليبي الذي يكره بشدة الكيانات الكبيرة وبالأخص تلك التي يحكمها المسلمون، انقسمت هذه البلاد الشاسعة الآن لعدة دول هي: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، ونيبال، وبوتان، وسيريلانكا، إضافة إلى ما يتبعها من جزر في الشرق، وسيلان أو سرنديب في الجنوب.

وشبه القارة الهندية عالم قائم بذاته جغرافيًا في قلب القارة الآسيوية، ففي الشمال جبال الهمالايا الشامخة والتي تعرف بسقف الدنيا، وفي الشرق جبال آسام وهي في الأصل متفرعة من جبال الهمالايا، وفي الغرب جبال الهند وكوش الممتدة حتى الشاطئ، أما في جهة الجنوب فالمحيط، وهي بلاد شاسعة ممتدة الأرجاء تبلغ مساحتها قرابة 4.5 مليون كيلو متر مربع، وبها الكثير من الشعوب والقوميات واللغات واللهجات، وكانت عبر التاريخ من المناطق المؤثرة على ركب الحضارة ومسيرة البشرية، وتعددت بها الأجناس والديانات بصورة واسعة حتى يمكن القول أن شبه القارة الهندية هي تجسيد حقيقي لجميع أدوار تاريخ البشرية في شتى صوره، وفيها التمثيل الكامل لفروق الآدميين وما عرفوه من معتقدات منذ ظهور الوثنيات حتى هداية الناس إلى التوحيد.

ونظرًا لاتساع رقعة هذه البلاد لم يستطع حاكم واحد أو دولة واحدة أن تخضع جميع أقاليمها، فقامت بها العديد من الممالك والإمارات حتى آخر العهد الويدي، حيث بدأت معالم النظام الطبقي في الهند تتبلور وتستقر بين أهل هذه البلاد.

وصل الإسلام إلي الهند مبكراً وتمثل أول قدوم للإسلام عبر محور بحري انتقل الإسلام عبره عن طريق التجار العرب الذين تعاملوا مع موانئ سواحل الهند.. وحمل التجار العرب الإسلام في بدايته إلى الهند، وأصبح في كل ميناء أو مدينة اتصل بها العرب جماعة مسلمة، ومما لاشك فيه أن الرحلات التي كانت تسهل مهمتها الرياح الموسمية أثمرت في انتشار الإسلام على طول سواحل الهند، وظل الإسلام في الجنوب يتسم بطابع الدعوة السلمية، وأقبلت الطبقات المنبوذة و المستضعفة على اعتناق الإسلام، وغيرهم من الجماعات التي خلصها الإسلام من القيود الطبقية، ولا زال الإسلام يكتسب أنصاراً جدداً في مناطق الساحل الغربي والشرقي من الطبقات المستضعفة، ولقد نشط هذا المحور وانتقل الإسلام من الساحل نحو الداخل في هضبة الدكن، واستقرت جماعات عديدة من العرب في الدكن. ولقد عبر الإسلام من ساحل ملبار إلى مالديف، ومعظم أهل الجزر الآن من المسلمين، ويدين سكان هذه المناطق في دخولهم الإسلام إلى التجار العرب والفرس، وهكذا انتشر الإسلام في جنوب الهند بالحكمة والموعظة الحسنة عن طريق هذا المحور البحري، الذي نقل الإسلام إلى المناطق المجاورة للهند.

تاريخ المسلمين العظيم

تم ذلك عن طريق الفتوحات الإسلامية العظيمة فقد بدأ المسلمون فتوحاتهم في بلاد الهند في نفس العام الذي بدأوا فيه فتوحاتهم في بلاد الأندلس وكان ذلك أيام ولاية (الحجاج بن يوسف الثقفي) في عهد الدولة الأموية. وفي العصر العباسي باستثناء الصدر الأول للدولة العباسية لم يشهد فتوحات جديدة في شبه القارة الهندية؛ لأن معظم فتراته شهدت الكثير من الصراعات بين الولاة المسلمين وبعضهم خاصة من القبائل العربية التي وفدت إلى الهند، ولكن ذلك العصر شهد ترسيخاً لبعض الممالك وتقوية لأركانها وظهوراً لبعض الحكام الأقوياء حتى جاءت الدولة الغزنوية.

يُعَدُّ عهد الدولة الغزنوية هو البداية الثانية لعصر الفتوحات الإسلامية العظيمة في الهند، وبعد رحلة جهاد طويلة وشاقة وبعد أن أخضع شمال شبه القارة الهندية بالكامل لراية الإسلام مات السلطان (محمود الغزنوى) وخلفه مجموعة من الملوك والأمراء لم يستطيعوا أن يحافظوا على أركان دولتهم القوية فسقطت على يد الدولة الغورية عام (582هـ).

الدولة الغورية: نجح الغوريون في إقامة حكم إسلامي راسخ في الهند على أسس متينة، وقد تم ذلك على يد السلطان (محمد الغوري) الذي جاب بلاد الهند شرقاً وغرباً فاتحاً طوال ثلاثين عاماً ما بين البنجاب والبنغال، وكان ذلك السلطان قائداً محنكاً وحاكماً عادلاً رشيداً يصاحب أهل الفضل وأرباب الأدب والفقه، وكان من خاصته الإمام الكبير (فخر الدين الرازي). وعندما مات السلطان (محمد الغورى) انفرط عقد الدولة الغورية وورثتها دولة المماليك.

ورث المماليك الدولة الغورية بطريقة سلمية حين نصب المملوك (قطب الدين أيبك) نفسه سلطاناً على الهندستان في عام (602هـ) وقد دام حكم المماليك للهند حوالي تسعين سنة شهدت البلاد فيها الكثير من الفتوحات وشُيِّدت الكثير من مظاهر الحضارة مثل منارة القطب ب (دلهي) التي يبلغ طولها (242) متراً والتي تعد من أروع العمائر الإسلامية في الهند قاطبةً. وقد انتهت دولة المماليك بقيام الدولة الخلجية في عام (689هـ) التي حكمت الهند بعد زوال دولة المماليك وأول ملوكهم (جلال الدين فيروز شاه) الذي استطاع بحسن سياسته وعدله أن يقيم أركان دولة قوية وأن يتصدى لجحافل المغول الذين هاجموا دولته وأن ينزل بهم هزيمة كبيرة.

 آخر الممالك الإسلامية في الهند

الدولة المغولية: وتعتبر المملكة الأخيرة للمسلمين في الهند وقد قامت في الفترة من (932-1274هـ) الموافق (1525-1858م) فوصلت بالحكم الإسلامي إلى أرقى صوره وأقوى نفوذ له وشهد الإسلام في عهدها أوسع انتشار له.. أما آخر سلاطين المغول فقد كان السلطان (بهادر شاه) الثاني الذي تولى الحكم في الهند في عام (1838م)، وكان الإنجليز في عهده قد أحكموا سيطرتهم على البلاد وفرضوا نفوذهم على سلاطين الهند الذين كانوا يتعاملون معهم وكأنهم موظفون عندهم. وفى عام (1858م) قام المسلمون والهندوس بثورة عارمة قادها (بهادر شاه) الثاني ضد الإنجليز الذين تصدوا لها بقوة واستطاعوا القضاء عليها والقبض على قائدها. وبعد محاكمات صورية صدر الحكم على السلطان بالإعدام ثم خُفِّف الحكم إلى النفي، وفي يوم الخميس (8 من ربيع الأول 1275هـ) الموافق (17 أكتوبر 1858م) تم نفي السلطان وأسرته إلى مدينة (رانكون) عاصمة (بورما).

وبنفيه سقطت دولة المغول الإسلامية وطويت آخر صفحة من صفحات الحكم الإسلامي العظيم في الهند والذي ظل شامخاً لأكثر من ثمانية قرون. وأُعلن تحويل الهند إلى مستعمرة بريطانية.

واقع المسلمين الأليم

الهند

يواجه المسلمون في الهند اليوم العديد من القضايا الهامة والنوازل العامة، ويواجهون مجموعة من التحديات الخطيرة.

لم يكن احتلال الإنجليز لبلاد الهند بالشيء الهين أو اليسير، ونتيجة هذه السياسة الصليبية الخبيثة من جانب الإنجليز تدهورت أوضاع المسلمين في الهند بشدة ومازالت تتدهور حتى كتابة هذه السطور. فبعد تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947م هاجر عدد كبير من المثقفين المسلمين وموظفي الحكومة والأطباء ورجال القانون إلى باكستان. وقد أدى ذلك إلى حدوث تغيير في البنية الاجتماعية للمسلمين.

وبعد أكثر من نصف قرن، لم يحدث تغير يذكر. فعدد المسلمين في الهند اليوم 225 مليون نسمة وهم يمثلون 15% من إجمالي عدد السكان الذي يتجاوز المليار.

يواجه المسلمون في الهند اليوم العديد من القضايا الهامة والنوازل العامة، ويواجهون مجموعة من التحديات الخطيرة، من أبرزها: الحفاظ على الهوية الإسلامية والتي يشعر المسلمون أنها مهددة بالذوبان في مجتمع يغلب عليه الطابع الهندوسي. ويزيد من ذلك الشعور أن الحكومة تحاول تكريس ذلك الطابع في المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية.

ومنها الاضطهاد العنصري والعنف الطائفي ويتم ذلك من خلال النزاعات التي تتكرر دائماً بين الهندوس والمسلمين.

ومنها الفقر والجهل والمرض: ويتجسد هذا الثالوث في غالبية تجمعات المسلمين التي توجد عادة حول المدن وفى المناطق الريفية التي تفتقر إلى أبسط أشكال البنية التحتية والخدمات الأساسية والمنشآت والمباني السكنية، وحيث تقل فرص التعليم وتنعدم الرعاية الصحية أو تكاد وتنتشر البطالة والفقر وينخفض الدخل المادي لمعظم أفراد الأقلية المسلمة حتى إنهم يصنفون كأشد الشرائح الاجتماعية فقراً وحيث يعيش أكثر من 35% منهم تحت خط الفقر.

أسباب تدهور وضع المسلمين في الهند

لا شك أن الاحتلال الإنجليزي، والتعصب الهندوسي، كان لهما دور كبير في تدهور أوضاع المسلمين في الهند، إلا أن هناك عوامل أخرى أدت لهذا التدهور والتراجع الحضاري والسياسي لمسلمي الهند منها:

1-حينما حكم المسلمون شبه القارة الهندية لمدة ثمانية قرون لم يستطيعوا أن ينشروا الإسلام فيها بالكامل كما فعل أسلافهم في فارس وبلاد الشام وشمال أفريقيا ووسط آسيا حيث دخلت الأغلبية الساحقة من سكان تلك البلاد في الإسلام ومازالوا حتى اليوم.

أما في الهند فلم تزد نسبه المسلمين في أزهى عصور الدولة الإسلامية فيها عن 20% من عدد السكان. وكان من أسباب ذلك انشغال الكثير من الملوك والسلاطين المسلمين فيها بالاستمتاع بمظاهر البذخ والترف وتشييد الكثير من المباني والعمائر العظيمة التي تكلفت أموالاً طائلة أثقلت كاهل الدولة وانشغلوا عن الفتوحات الإسلامية وعن الدعوة إلى الله.

 فظل العدد الأكبر من الهنود على وثنيتهم الهندوسية في وقت كانوا فيه على استعداد للدخول في الإسلام بسهولة ويسر.

2-عدم استقرار المسلمين في البلاد المفتوحة في الهند في أيام الغزوات الأولى، وحتى عندما فتحوا السند على يد محمد بن القاسم والمسلمون الأوائل كانوا أقدر الناس على الدعوة وأكثرهم فهمًا ودراية بالإسلام، مما أضاع الفرصة على المسلمين في إدخال أكبر قدر ممكن في الإسلام من الهنود الذين كانوا على الوثنية والضلال، والذين جاءوا من بعدهم من المسلمين واستقروا في الهند لم يكونوا مؤهلين للدعوة أو إرشاد الناس وبالتالي ظل الإسلام محصورًا في منطقة السند والبنجاب، وذلك لفترة طويلة.

3-جهل معظم الناس باللغة العربية التي هي لغة الشرع والوحيين، وذلك بسبب أعجمية معظم الفاتحين لبلاد الهند من أتراك ومغول وغيرهم، مما أفقد مسلمو الهند الفهم الصحيح والكامل لتعاليم الإسلام، وأفقدهم تذوق معاني القرآن وحقائق السنة.

4-اشتعال الحروب الداخلية الطاحنة بين الحكام المسلمين والتي شغلت حيزًا كبيرًا من حياة تلك الدول والممالك الإسلامية، مما أدى لإهمال شئون الدعوة ونشر الإسلام، بل كان جل اهتمام الحكام وقتها كسب الولاءات وفرض الضرائب وعقد التحالفات مع الآخرين ولو كانوا من الكفار الأصليين.

القضية الكلية والسبب الجامع لذلك التدهور يرجع لكون المسلمون فتحوا معظم بلاد الهند في وقت الضعف وتهاوي الخلافة الإسلامية، فلم يتمكن المسلمون من نشر تعاليم الإسلام بصورة صحيحة وكاملة، مما جعل دولة الإسلام في الهند غير مستقرة، دائمة التقلب، ثوب ريادتها مليء بالثقوب والخروق، مما جعل الهندوس يقيمون لهم عدة ممالك قوية في جنوب الهند ناوأت دولة الإسلام في الشمال لفترة طويلة، وسهلت طريق الاحتلال في القضاء على الحكم الإسلامي لبلاد الهند.

تحديات معاصرة تواجه مسلمي الهند

التحدي الأول لمسلمي الهند وجودهم في بلد مشهود لأبنائه بإقبال كبير على التعليم الفني والتقني والهندسي. وكان كبير علماء الذرة في الهند، الدكتور أبو بكر عبد الكلام آزاد، وهو رجل مسلم.

2- أن تقوم المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومراقبة أشكال التطهير العرقي وجرائم الحرب، بواجبها في متابعة ما يجري في الهند؛ وألا توقفها العلاقات الحسنة بين الهند والولايات المتحدة وأغلب الدول الأوروبية وإسرائيل عن ممارسة دورها الحيادي.

3- أن تتحمل الدول العربية والمنظمات الإسلامية الدولية مسؤولياتها الأدبية والمادية وتمد جسور تواصل متينة مع مسلمي الهند. ومن المؤسف أن مسلمي الهند الذين لم يتأخروا يوما عن الخروج متعاطفين ومتظاهرين في كل حدث يشهده العالم العربي سواء في فلسطين أو العراق أو غيرهما، لايجدون أحدا في المشرق العربي أو مغربه يتظاهر أو يتابع قضايا المسلمين في الهند على المستوى الدبلوماسي أو الإعلامي أو الديني.

أخيراً أن تخرج المراكز الإعلامية الكبرى ذات الرسالة الواعية من مأزق الانكفاء على متابعة القضايا المركزية التي شغلت الإنسان العربي وأغرقته في دوامة لا تنتهي، عسى أن يفتح ذلك أفقا أكثر رحابة نتعلم منه ونفيد، ونمد عينًا ونبسط يدًا للتواصل والبناء مع أكبر جالية إسلامية في العالم وثالث أكبر تجمع إسلامي على سطح الأرض.

______________________________________________

المصادر:

مواضيع ذات صلة