بدأ شهر القرآن وسرعان ما سينقضي.. فاغتنموه!

تاريخ النشر الأصلي 2017-05-30 09:45:34.

لقد جاء شهر القرآن ليمنحنا فُرصة جديدة لتدريب تلك الروح التي ترهلت، ويزيل عن نفوسنا تلك الشحوم التي تراكمت، وينزع ضغائن قد حاصرتنا في كهف (الأنا) الموحش…

بقلم/ فيصل الزامل*

كم مرة يقرأ المرء كتاب الله، في اليوم والشهر والسنة؟ فلو قارنت ذلك بما يخصصه أكثرنا لقراءة الصحف بشكل يومي بل يلتزم به. لتبين لنا رُجحان غير عادل لصالح هموم الدنيا، على المصدر الرئيسي لشفاء الصدور وهو القرآن الكريم.

الهاتف النقال وشاشته الضئيلة التي لا تكاد أعيننا تغفل عنها؛ فلابد بين الفينة والأخرى من إلقاء نظرة سريعة لقراءة رسالة على تلك الشاشة، وإذا رن الهاتف كانت المسارعة إلى إجابته أو استجلاء خبره.. فهل نجد نفس سرعة الاستجابة حينما نسمع قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ…” (الأنفال:24).

إنها فرصة لتسليط الضوء بشكل أكبر على قيمة التراث الإسلامي، وفي مقدمته القرآن الكريم.. إنه تراث يمكن للأمم أن تستخدمه وأن تستفيد منه، فهو يعايش الناس في شؤون حياتهم، ويقدم لهم في كل منعطف لوحة إرشادية؛ فإذا مالت النفس مثلا إلى الانسحاب من الدنيا، والعزلة للعبادة برزت لوحة (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).

وإذا برزت نزعة التسلط من زوج تجاه زوجته، قالت له لوحة إرشادية أخرى (ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم)، وإذا امرؤ أراد أن يبطش بشخص نكاية في آخر من أقاربه أو فصيلته التي تؤويه برزت لوحة (ولا تزر وازرة وزر أخرى)…

إنه تراث غني يخاطب الحاكم والمحكوم، و المغالي والمفرط والأعراق المتدافعة.. فيهدئ من غلواء ذلك التدافع ويخفف من جموحه (الكيّس من دان نفسه..) و (ليس الشديد بالصرعة..) و (الكاظمين الغيظ).

هذه المصاحبة اليومية في كل حركة وسكنة وبين ثنيات خلجات النفوس هي ثروة إنسانية كبيرة جدا، وأروع من ذلك هي بلاغة التعبير؛ إنها عبارات قصيرة وبليغة لا يصعب على عامة الناس فهم المراد منها وكيفية العمل بها، عبارات ليس فيها غموض المعنى ولا إبهام التعبير، ما يؤدي إلى هبوط هادئ لتلك الإرشادات.

تتنزل على القلوب بطمأنينة وسلاسة فتتقبلها النفوس المتعبة وتتشربها الأرواح المرهقة، كما تتشرب الأرض الجافة حبات المطر، لتبعث فيها الحياة من جديد.

أقبل شهر القرآن

لقد جاء شهر القرآن ليمنحنا فُرصة جديدة لتدريب تلك الروح التي ترهلت، ويزيل عن نفوسنا تلك الشحوم التي تراكمت، وينزع ضغائن قد حاصرتنا في كهف (الأنا) الموحش، إنه من أسرع الشهور انقضاء، مما يجعل اغتنام كل لحظة من هذا الشهر هو انتصارا يحققه كل منا، وزادا يتزود به المرء لشهور مقبلة من مسيرة الحياة المتعبة، ولقد خاب وخسر من مرت عليه تلك الأيام السريعة –جدا- ولم يحصد منها مخزونا كافيا للأيام والشهور المقبلة.

تقبل الله منا ومنكم صيام هذا الشهر وقيامه، وفتح لنا جميعا في أبواب بر وتقوى جديدة مقبولة عنده.. آمين

  • رئيس مجلس إدارة لجنة التعريف بالإسلام

_________________________________

المصدر: بتصرف يسير عن مجلة البشرى، العدد 148، يوليو 2015

مواضيع ذات صلة