تربية الفتاة في الإسلام

موقع تيار الإصلاح

الفتاة في رحاب الإسلام لها قيمة ومكانة؛ فهي رمز الحياء، وعنوان العفة، وصانعة الأبطال، ومربية الأجيال، لقد أنزلها الدين الإسلامي منزلة الحب والاحترام، وجعل لها بحكم فطرتها وطبيعتها رعاية خاصة، إعدادًا للدور الكبير الذي ينتظرها في الحياة لتكون زوجة صالحة، وأم المستقبل، وخير النساء من تعي دورها التربوي والأسري، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده» (1).

اعتنى الإسلام بتربية الفتاة اعتناء خاصا

اعتنى الإسلام بتربية الفتاة اعتناء خاصا

والنبي صلى الله عليه وسلم كان أبًا لبنات، رباهن فأحسن التربية، أربع بنات، كلهن من السيدة خديجة رضي الله عنها، وُلدن قبل الإسلام وهن زينت، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، فأما فاطمة رضي الله عنها فقد ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وزينب تزوجها العاص بن الربيع رضي الله عنه، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، تزوج أم كلثوم بعد رقية، لقد أدركن الإسلام وأسلمن وعشن في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاش معهن لحظة لحظة من الولادة إلى الوفاة، فكل أولاده توفى قبله، إِلا فاطمة رضي الله عنها فإِنها تأخرت بعده بستة أشهر.

والفتاة بحكم فطرتها وطبيعتها تحتاج إلى رعاية خاصة، إعدادًا للدور الكبير الذي ينتظرها في الحياة: أن تكون زوجة صالحة، وأمًا ناجحة في المستقبل، وخير النساء من تعتني بزوجها وأولادها.

فضل تربية البنات

حث النبي صلى الله عليه وسلم على تربية البنات والإحسان إليهن، وجعل من يحسن إلى اثنتين أو ثلاث منهن رفيقه في الجنة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه (2).

والعول في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن؛ من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح؛ بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك (3).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله عز وجل قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار» (4).

ففي الصّبر عليهنّ والإحسان إليهنّ ما يقي من النّار.

وجعل تربية البنات حجاب عن النار: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كن له ثلاث بنات يؤويهن، ويرحمهن، ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة»، قيل يا رسول الله: فإن كانتا اثنتين؟، قال: «وإن كانتا اثنتين»، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدة، لقال: واحدة (5).

قال القرطبي: يفيد هذا الحديث بعمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات، فإذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على السترِ السبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنة كما في الحديث السابق (6).

في هذا الحديث ما يدل على شرف الإنفاق على العيال ولا سيما البنات؛ فإنهن لا يتعلق طمع الأب منهن من الاعتضداد بهن والصول على الأعداء بقوتهن وإحياء اسمه واتصال نسبه وغير ذلك كما يتعلق بالذكر، فلما زاد الإناث على الذكور في درج إخلاص المنفق عليهن لله، فإنه يستر منهن عورات في البيوت، ويرزق منهن حرمًا لا يطقن الكسب على أنفسهن.

فإذا بلغن فصلحن للرجال؛ كانت أنساب أولادهن لعصبات أزواجهن، فكان العول للجاريتين منهن يبلغ بحسن النية من العبد المؤمن إلى أن يكون فاعل ذلك منضمًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انضمام الأصبع إلى الأصبع ليس بينهما حائل.

ولأن العرب كان من شأنهم الأنفة من البنات حتى كان منهم الوأد الذي أخبر الله عز وجل به عنهم من قتلهم البنات، فإذا كان المؤمن على خلاف ما كانوا عليه، وصبر على أن يعول بناته كان متمسكًا بشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، راغبًا عما كانت الجاهلية عليه، فلما انضم إلى شرعه انضم في القيامة إليه (7).

ليس الذكر كالأنثى

هناك فرق كبير بين تربية الأولاد وتربية البنات؛ بسبب الاختلافات الفيسيولوجية، وبسبب الاختلافات النفسية، فطبيعة تفكير وإحساس الذكور تختلف تمامًا عن طريقة تفكير الإناث، وهذا ما يجب أن يأخذه الوالدان بعين الاعتبار أثناء التعامل معهم.

إن أكبر خطأ يرتكبه الأهل في تربية البنات هو: عدم إدراك طبيعة تكوين البنت والمشاعر التي تنتابها مع مراحل نموها المختلفة.

ينبغي أن يختلف إعداد الفتى عن الفتاة، فلا بد من منع الطفلة من مجالسة الرجال، إذا قاربت على البلوغ، ومن الخروج إلى الشارع، وتُعَلَّم الأدب والحشمة والحياء، وتُلزَمَ بالحجاب، وتُعلَّم أعمال المنزل، وكل ما يساعدها لتكون زوجة ناجحة، وأمًا مثالية. ومن الواجب أن تكون الأم صديقة لبنتها، فتشركها معها في أعمال المنزل، والتزيُّن والمكوث في البيت وتشابه اللباس.

وهناك عدد من جوانب في بناء شخصية الفتاة، يجب أن تحرص كل أم على غرسها في بنتها وتربيتها عليها، ومن ذلك:

أ. البناء الروحي:

الإنسان روح ثم جسد، والروح أهم من الجسد، وهي محل العقيدة والقيم، وكل ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، وقد ميزه الله عز وجل ليجعله خليفة في الأرض، وقد خصه بها فقال عز وجل: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29]، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له، وفضله على سائر العالمين.

والطاقة الروحية في الإنسان هي أكبر طاقاته، وأعظمها، وأشدها اتصالًا بحقائق الوجود، فطاقة الجسم محدودة بما تدركه الحواس، وطاقة العقل أكثر طلاقة، ولكنها محدودة أيضًا بالزمان والمكان.

أما طاقة الروح فلا تعرف الحدود والقيود، وهي وحدها تملك الاتصال بالله.

وطريقة الإسلام في تربية الروح هي: أن يعقد صلة دائمة بينها وبين الله عز وجل في كل لحظة، وكل عمل، والعبادة هي الوسيلة الفعالة لتربية الروح؛ لأنها تعقد الصلة الدائمة بالله سبحانه وتعالى، وكلما توجهت الروح إلى ربها وخالقها: نمت وترعرعت، وإذا انحرفت عنه ذبلت وضعفت.

ب. البناء الاجتماعي:

البناء الاجتماعي يهدف إلى تحقيق التوازن بين القيم التي تنشأ عليها الفتاة، وأسالب الضغط الاجتماعي، وإلى إيجاد نوع من التوافق بين حاجات الفتاة، ومطالب المجتمع، وإلى إيجاد سلوكيات تحقق رغبات الفرد، ويرضى عنها الآخرون.

وبالتالي من المهام لدى الأهل أن تلقن الطفلة قواعد السلوك الاجتماعي، ليتوافق مع معايير المجتمع، وتأديب الطفلة عملية أساسية، حتى يبقى استمرار البناء الاجتماعي، وذلك اعتمادًا على ركائز الدين الإسلامي.

ج- البناء الأخلاقي:

جاء الإسلام ليتم البناء الأخلاقي للإنسان، وتميز اهتمامه بهذا الأمر إلى حد أن فسر الإسلام على أنه الخلق في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، قال ابن عباس: أي: وإنك لعلى دين عظيم، وهو الإسلام (8).

وقد اهتم الإسلام بالبناء الأخلاقي للفتاة منذ نعومة أظافرها، فحثنا على غرس العفة والحياء والصدق والكرم في سلوكها.

لذلك يجب أن تبتعد الفتاة المسلمة عن مصاحبة الفتيات ذات الأخلاق الغير سامية، وهذا حتى لا تتعلم منهن سوء الخلق، فضلًا عن ذلك: من الضروري أن تكون الفتاة مطيعة لأبويها، وتحرص على رعايتهما، وكلما تمسكت الفتاة بأخلاق الإسلام سوف تنجح في إدارة منزلها، وستكون مطيعة لزوجها، وستقوم بتربية أولادها وبناتها تربية صحيحة.

د- البناء الوظيفي:

ليس المقصود بالإعداد الوظيفي: تأهيل ابنتك لممارسة مهنة معينة، بل يتسع المفهوم ليشمل تأهيل المرأة لتكون زوجة وأمًّا قبل كل شيء، والذي نفتقده إعداد المرأة لحياة الزوجية والأمومة، تحتاج الفتيات لتعلم التدبير المنزلي، وحقوق الزوج وآداب التعامل وأساليب التجمُّل، وطرائق تأثيث المنزل وغيرها مما تحتاجه المرأة (9).

من سمات النساء عمومًا لا سيما البنات أنهن ضعيفات وعاطفيات يبحثن دائمًا عن الأمان، وأول من تنشد البنت عنده الأمان هو الأب، وأول مكان تأوي إليه البنت عند شعورها بالخوف في أي مرحلة من مراحل حياتها هو بيت أبيها، ولهذا لا بد للأب أن يوفر الأمان النفسي لابنته قبل الأمان المادي، وحينما يقصر في ذلك وتشعر البنت أنها قد افتقدت الأمان عند أبيها وفي بيت أسرتها ستطلب الأمان خارجه، وقد تتلقفها الأيدي الكاذبة الخادعة الماكرة ذات المنطق المعسول وما أكثرها، وحينها لا يلومن الأب إلا نفسه بعد فوات الأوان؛ لأنه هو الذي دفع ابنته للانحراف بسبب سلوكه.

في فترة المراهقة تحدث تغيرات جسمانية ونفسية معلومة للكثير في حياة البنت المراهقة، فبعض الآباء يهتم في تلك الفترة بالبحث عن وسيلة لتعليم ابنته الأحكام الفقهية، وربما يلقي بالمهمة على الأم لتعلم ابنتها سرًا ما يُستحيا من ذكره على العلن، والأحكام –على أهميتها الكبيرة– ليست كل ما يجب الاهتمام به، فالمراهق يشعر بنوع من الانجذاب الانفعالي للجنس الآخر ويرغب في تواجد الآخر إلى جانبه بشكل دائم والتحدث والاستماع إليه، والبنت المراهقة ترى أول رجل تقع عليه عيناها هو أبوها الذي يختزل في نظرها كل الرجال وعليه تبني مقياسها للحكم على الرجال في باقي حياتها، فإن كان أبًا متفهما لدوره التربوي مقدرًا لمشاعرها ازداد إعجابها بأبيها وصار مثلًا لها ومعيارًا لتقييم الرجال، وحين تتمنى زوجًا لها تتمناه يشبه أباها في صفاته وسلوكه، ولهذا قيل: كل فتاة بأبيها معجبة.

وفي المقابل؛ فالأب القاسي أو المتسلط أو المشغول الذي لا يعلم عن أهله شيئًا يفقد القدرة على التأثير في ابنته المراهقة، وربما تبحث في الفراغ الذي خلفه عمن يملؤه بدلًا منه وحينها يكمن الشر والضرر.

وقد يتعجب البعض من هذا الطرح ولكن ما وجدت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع بناته يؤكد ذلك فقد كان يعظم شأن بناته ويشعرهن بوافر حبه ورحمته بهن، فتوضح ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتقول: ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا وهديًا ودلًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها (10).

فرسول الله صلى الله عليه وسلم كأب يهش لابنته ويقربها إليه ويقوم لها ويجلسها في مجلسه، وهي تبادله رفقًا برفق ورحمة برحمة في قمة سامية في الخلق الرفيع والتربية الكاملة.

إن هذا التصرف من الأب يؤمن ابنته ضد الخطر الداهم من كل شيطان يلتف حولها أو يحاول إغواءها بنظرة مغرضة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، أو كلمة براقة تخطف الأبصار، أو اهتمام زائف يلغي العقول ويُذهب بالثوابت (11).

أسس مهمة في تربية الفتاة

الأساس الأول في بناء الفتاة: التركيز على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، تعليمها الفرائض الدينية، تنشئتها منذ الصغر على الدين والفضيلة، وغرس ذلك في نفسها بالإقناع والتربية، يغذي ذلك وينمي أفكارهن قصص أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقصص الصحابيات اللاتي صنعن المجد بجودة تربيتهن.

تحقق التربية جودتها حين تكون الأم قدوة حسنة لابنتها، متمثلة قيم الإسلام مع سلوك حسن وسيرة حميدة في حركاتها وملابسها وتصرفاتها، حينئذ تحاكي البنت أمها، وتكون صورة صادقة عنها في السلوك.

ومما يحزن تساهل بعض الآباء والأمهات في تربية البنات، ترى مظاهر ذلك ضعفًا إيمانيًا، خواءً فكريًا، تقديسًا للتوافه، تفريطًا في القيم، كما تلمسه في مسألة الحجاب ولباس الفتنة والعري مع التبذل في الأماكن العامة كالأسواق والمتنزهات.

الأساس الثاني: الحياء: تربية البنت على خلق الحياء حارس أمين لها من الوقوع في المهالك؛ فإن مشت فعلى استحياء، زيها ورداؤها استحياء، سمته الحياء، وقولها وفعلها وحركاتها يهذبه الحياء، كما قال: والحياء خير كله، ولا يأتي إلا بخير.

الأساس الثالث: الكلمة الطيبة والرفق واللين في الأسلوب وسيلة مهمة في التربية، وإذا قارنها قلب مفعم بالمحبة والود من الوالدين عمل عمله وآتى أكله في تسديد السلوك، وله آثار نافعة، ويهدي إلى الاقتناع والقبول، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 24- 25].

الأساس الرابع: التعاهد: تعاهد الفتاة بالتوجيه والتنبيه، فإن القلوب تغفل، ويقظتها بالنصح والتذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، مع ترويضها على الانضباط بأحكام الشرع في اللباس والحجاب ومسألة الاختلاط.

الحذر من الآفات

الحذر من مجاديف الحياة: تغذية الفتاة بأسس ومفاهيم وضوابط تتمكن بها من التمييز بين الغث والسمين، وتفرّق بين الخطأ والصواب، وتوفّر لها ملكة تكسبها القدرة على اكتشاف المظاهر الخادعة والخاطئة.

الحذر من جفاف المشاعر الودية، وغياب معاني الحب في الأسرة، وانعدام أسلوب الحوار الهادئ يجعل الفتاة تبحث عن إجابات لأسئلتها الحائرة، وقد تكون بذلك صيدًا سهلًا لرفيقات السوء أو غيرهن، وهذا يتطلب إحياء جلسات الإقناع والحوارات الأسرية وغمر البيت بمشاعر فياضة من الود والحب والاحترام.

الحذر من الفراغ: الفراغ مشكلة كبرى في حياة الفتاة، وملء أوقات الفتيات بالنافع المفيد حصانة ووقاية، من ذلك حفظ القرآن وتلاوته وتفسيره، تعلّم ما يتعلق بالمرأة من أحكام، توسيع دائرة الثقافة النافعة، ممارسة الهوايات المفيدة، مرافقة البنت لأمها تصقل شخصيتها، وتكون دليلاً لها في حياتها، وتضيف إلى سيرتها دروسًا ناصعة.

الحذر من تفكك الأسرة؛ تفكك الأسرة، ضعف الروابط بين أفرادها، كل يهيم في واد، الأب هناك، والأم هنالك، يولد جفوة وجفوة تتراكم أضرارها فوق بعضها على الفتاة، وقد ينكشف الغطاء بعد فوات الأوان عن سلوك غير حميد.

الأسرة السوية روابطها قوية في جو عائلي لا يسمح بالاختراق أو الاقتراب مع شعور بالطمأنينة والاستقرار.

الحذر من تأخر الزواج: تأخير زواج الفتاة يترتب عليه مفاسد خلقية واجتماعية ونفسية، وعضلها بمنعها من الزواج لأغراض دنيوية جريمة في حق فتياتنا والمجتمع، قال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232].

الحذر من الفضائيات: أعظم الأخطار التي تؤثر في تربية البنات وجود القنوات الفضائية في البيوت، فهي تهدد بهدم كل القيم، وتحارب الدين والفضيلة، وتورث العري والفساد والانحلال، وكذا بعض مواقع الشبكة العنكبوتية التي تهدم أكثر مما تبني، فالسلامة في البعد عنها، والسلامة لا يعدلها شيء (12).

خصوصية دور الأم في تربية الفتاة

البنت أقرب ما تكون من أمها منذ ولادتها إلى أن تتزوج.

تلعب الأم دورًا كبيرًا في تشكيل شخصيتها وأخلاقها ودينها.

أوصى الإسلام باختيار الزوجة الصالحة؛ لأهمية دور الأم في تربية الأولاد وخاصة البنات.

واجب الأم في تربية البنت:

تخلص الأم النية لله عز وجل في إنجابها ورعايتها وتربيتها.

تستقبل ابنتها بالأذان والإقامة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

تتعهدها بالتربية الحسنة والتأديب من صغرها.

تصلح نفسها وتتوب إلى الله من ذنوبها ومعاصيها، لتكون قدوة صالحة لابنتها.

تجعل تربية ابنتها أولوية الأولويات.

تربط ابنتها بكتاب الله قراءة وترتيلًا وحفظًا.

تصلها بدروس المساجد، وتشجعها على المشاركة في المسابقات القرآنية.

تعوّدها الحشمة والحياء والستر والعفاف من صغرها.

تعودها القراءة الدينية والثقافية منذ الصغر.

تجنبها الكسل، بإشراكها في أشغال البيت التي تناسب سنها.

تربيها على الأخلاق الحميدة: من شجاعة، وصبر، وكرم، ووفاء، وعزة نفس، وانشغال بمعالي الأمور.

الدعاء لها دائمًا بصلاح الحال والنجاح والتوفيق (13).

حقوق الفتاة على أبيها

وهذه الحقوق نجملها في الأمور الآتية:

أولًا: ينبغي على الأب أن يختار لولده – ذكرًا كان أو أنثى- أمًا صالحة، ولا يكون هذا متحققاً إلا إذا اختار الزوج لنفسه زوجة صالحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك» (14)؛ لأن ذات الدين امرأة صالحة، وهي تحرص على أن تربي ابنتها تربية صالحة أيضًا، فيظهر عندنا جيل من النساء الصالحات ومن ثم مجتمع صالح.

ثانيًا: يحرص الوالد على أن يعيذ ابنته من الشيطان بالدعاء لها قبل أن توجد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدًا» (15).

ثالثًا: أن يقوم الوالد برعايتها بمجرد ولادتها، وذلك من خلال تطبيق سنن الولادة ومنها:

أن يؤذن في أذنها اليمنى، ويقيم في أذنها اليسرى.

يقول زكريا الأنصاري: يؤذن في أذن المولود اليمنى ويقيم في اليسرى (16).

ويحنكها، فعن أنس رضي الله عنه قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيرا له، فقال: «هل معك تمر؟» فقلت: نعم، فناولته تمرات، فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم فغر فا الصبي فمجه في فيه، فجعل الصبي يتلمظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حب الأنصار التمر» وسماه عبد الله (17).

ويسميها باسم حسن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء القبيحة إلى أسماء طيبة، فابن عمر رضي الله عنهما روى أن ابنة لعمر رضي الله عنه كانت تسمى عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة (18).

ويذبح شاة عقيقة لها، فعن عائشة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة» (19)، ويسن طبخها كسائر الولائم وتطبخ بحلوى تفاؤلًا بحلاوة أخلاق المولود (20).

رابعًا: أن يحسن تربيتها وتأديبها، وتعليمها عبادة ربها، فيعلمها أصول التوحيد والشريعة خاصة الصلاة والصيام، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له سترًا من النار» (21).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع» (22).

يقول الإمام النووي: قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الصغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ، فيعلمه الولي الطهارة، والصلاة، والصوم ونحوها، ويعرفه تحريم الزنا، واللواط، والسرقة، وشرب المسكر، والكذب، والغيبة وشبهها: ويعرفه أن بالبلوغ يدخل في التكليف، ويعرفه ما يبلغ به: وقيل هذا التعليم مستحب، والصحيح وجوبه وهو ظاهر نصه وكما يجب عليه النظر في ماله، وهذا أولى، وإنما المستحب ما زاد على هذا من تعليم القرآن وفقه وأدب: ويعرفه ما يصلح به معاشه.

ودليل وجوب تعليم الولد الصغير والمملوك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادة: معناه علموهم ما ينجون به من النار وهذا ظاهر، وثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» متفق عليه، ثم أجرة التعليم في النوع الأول في مال الصبي، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته (23).

خامسًا: أن ينفق عليها في طعامها وشرابها ولباسها وسكنها ما تحتاج إليه حتى تدرك وتتزوج، وله في هذا أجر عظيم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه (24).

سادسًا: أن يسمح لها والدها بأنْ تتعلم وتحصل على الشهادة العلمية حتى تكون بنتًا متعلمة نافعة لأهلها ولمجتمعها، وهذا يدخل ضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (25).

مع التنبيه على أن البنت ينبغي عليها أن تلتزم بدينها وأخلاقها في تعاملها، وخروجها من بيت أبيها، بحيث تكون محتشمة في لباسها وزينتها، يقول الله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33].

سابعًا: الفتاة لها حق التملك لما تكسبه من عملها أو ما يعطى لها، قال الله تعالى: {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].

ولها حق تملك مهرهًا، قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4]، وليس لوالدها حق في أخذ شيء من مالها إلا بطيب نفس منها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» (26).

ثامنًا: يحرص الوالد على أن يزوج ابنته وله أجر كبير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عال ثلاث بنات، فأدبهن، وزوجهن، وأحسن إليهن، فله الجنة» (27).

وأن يزوجها من رجل صاحب دين وخلق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد»، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه»، ثلاث مرات (28).

فالوالد مطالب بأن يتحرى عن الخاطب لابنته، ويسأل الثقات من الناس عن التزامه بدينه وخلقه، فإذا شهدوا له بالدين والخلق زوجه، وإلا فلا يجوز أن يزوجها لإنسان فاسق لا يتق الله تعال فيها، وينبغي على الوالد أن يسأل عن دين الخاطب وخلقه قبل أن يسأل عن وظيفته أو داره، ولا يحل للوالد أن يمنع البنت حقها في الزواج لأي غرض كان سواء أكان طمعًا في مالها أم فكرًا منحرفًا عنده، أم عادة سيئة، لقول الله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232].

ومن جميل ما قاله فقهاؤنا: إن رغبت –يعني البنت- في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته، كان عاضلًا لها.

فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها، فله منعها من ذلك، ولا يكون عاضلًا لها بهذا؛ لأنه لو زوجت من غير كفئها، كان له فسخ النكاح، فلأن تمنع منه ابتداء أولى (29)، ولأن تصرفه سيكون وبالًا عليها، ثم إنها الغريزة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها وأوجدها فيه، هي التي تنادي وتطلب حقها، وويل لمن يمنعها حقها الذي أوجبه الله تعالى لها (30).

______________

(1) أخرجه البخاري (5365).

(2) أخرجه مسلم (2631).

(3) شرح رياض الصالحين (3/ 106).

(4) أخرجه مسلم (2630).

(5) أخرجه أحمد (14247).

(6) الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 479).

(7) الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 338).

(8) تفسير ابن كثير (8/ 188).

(9) جوانب من تربية الفتاة في الإسلام/ لها أون لاين.

(10) أخرجه أبو داود (5217).

(11) وقفات مع تربية البنات/ المسلم.

(12) تربية البنات/ ملتقى الخطباء.

(13) دور الأم في تربية البنت/ المنتدى الإسلامي العالمي للتربية.

(14) أخرجه البخاري (5090).

(15) أخرجه البخاري (5165)، ومسلم (1434).

(16) أسنى المطالب (1/ 125).

(17) أخرجه مسلم (2144).

(18) أخرجه مسلم (2139).

(19) أخرجه أبو داود (2834).

(20) مغني المحتاج (6/140).

(21) أخرجه البخاري (5995)، ومسلم (2629).

(22) أخرجه أبو داود (495).

(23) المجموع (1/26).

(24) سبق تخريجه.

(25) أخرجه ابن ماجه (224).

(26) أخرجه أحمد (20695).

(27) أخرجه أبو داود (5147).

(28) أخرجه الترمذي (1085).

(29) المغني لابن قدامة (7/ 31).

(30) حقوق البنات في الإسلام/ دار الإفتاء.

مواضيع ذات صلة