كيف أجمع بين حفظ القرآن ومراجعته (استشارة)

حفظ القرآن

أحفظ حوالي 6 أجزاء من القرآن، ومشكلتي أنني حالياً أواجه مشكلة في المراجعة، ووالدي يريدني أن أختم باقي الأجزاء، وأراجع بعد الختم، كما أنني أحس بتضييع الوقت، ولا أستطيع التوفيق بين حفظ القرآن والمراجعة.. فكيف يمكنني ذلك؟

ادعوا لي بالتوفيق، وجزاكم الله خيرا.

 

الإجابة:

المستشار:  د. رمضان فوزي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وأهلا وسهلا بك أختي بنت الإسلام، ونحييك على همتك العالية في العامل مع كتاب الله تعالى.. فما أجمل أن يعيش الإنسان مع كتاب ربه عز وجل، قراءة وتدبراً وحفظاً وتفكراً.

وما أجمل أن يكون حفظ القرآن والحفاظ عليه هو محور اهتمام الإنسان وشغله الشاغل.

وما أجمل أن يكون هناك تعاون ومتابعة بين الآباء والأبناء لحفظ هذا الكتاب العزيز.

فهنيئا لك حفظك، وهنيئا لك همتك العالية، وهنيئا لك تاج الكرامة؛ فقد قال– صلى الله عليه وسلم-: “يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبّ حَلّهِ فَيُلْبَسَ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ زِدْهُ، فَيُلْبَسَ حُلَةُ الكَرَامَةِ، ثُمّ يَقُولُ: يَا رَبّ أَرْضَ عَنْهُ، فيرضى عنه فَيُقَالُ له اقْرَأْ وارق وَيُزَادُ بِكُلّ آيَةٍ حَسَنَةٌ” (قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).

ثم هنيئا لك والدك وحرصه على متابعتك في الحفظ، وتعاونه معك في ذلك.

وأسوق لكما هذه البشرى الطيبة من رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم-؛ فعن بريدة قال: “كنت جالسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: تعلموا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة. قال: ثم سكت ساعة، ثم قال: تعلموا البقرة وآل عمران؛ فإنهما الزهراوان، يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أوغيابتان أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق قبره كالرجل الشاحب، فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة؛ فيُعطى الملك بيمينه والخلد بشماله، وبوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا؛ فيقولان: عمَّ كُسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها؛ فهو في صعود ما دام يقرأ، حدرا كان أو ترتيلا” (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).

أختاه إن أخطر الأدواء التي أصابت أمتنا في مقتل هي بعدها عن منهج ربها وعن دستوره الذي وضعه لسعادة هذه البشرية.

لقد أدرك أعداء هذه الأمة أن القرآن هو سر بقائها وقوتها، وهو ضمان حيويتها واستمرارها، وتيقنوا أنهم لن ينالوا منها شيئا حتى يزيحوه من طريقهم؛ فما برحوا الليل والنهار يحاربونه، ويتفننون في الوسائل التي يلهون بها المسلمين عن كتاب ربهم.

وما الإعلام الفاسد، وصيحات المدنية الزائفة، وما يحيط بشبابنا من مغريات وفتن وملهيات.. إلا بعض هذه الوسائل الخبيثة.

ولذلك فإننا نهيب بشبابنا وفتياتنا عدم الاستجابة لهذه النعرات الزاعقة، والشعارات المدنية الخادعة، وعليهم الرجوع لكتاب ربهم وسنة نبيهم فهما النجاة وهما حبل الله المتين، الذي إن تمسك به أحد فلن يضل أبدا.

ولذلك فأجر الصبر على هذه الفتن مضاعف عند الله عز وجل؛ فالقابض على دينه في هذا الزمن كالقابض على الجمر.

وندلف – أختي- إلى محور استشارتك فنقول:

إن هناك الكثير من الطاقات والإبداعات معطلة لدينا؛ بل حتى نكون أكثر دقة عطلناها نحن بأنفسنا؛ ذلك بأننا فرطنا في أغلى رأس مال لدينا؛ ألا وهو الوقت؛ فغفلنا عن تنظيمه وترتيب أولوياتنا؛ فتداخلت الأمور وتراكمت الواجبات حتى شعرنا بالعجز أمامها ووقفنا في حيرة من أمرنا.

أشير عليك أختي أن تقفي مع نفسك في نهاية يوم من الأيام، وتمسكي ورقة وقلما، وتبدئي في إحصاء أعمال يومك هذا، ثم تقارني مجموع هذه الأعمال بالوقت المهدر طوال اليوم.. لا شك أنك ستجدين أنه كان بوسعك القيام بأضعاف هذه الأعمال.

لماذا تضعين حفظ القرآن والمراجعة في موضعين متقابلين وكأنهما لا يجتمعان؟!

ما أقتنع به هو ضرورة الجمع بين الأمرين؛ ذلك أن الإنسان لو ركز في الحفظ فقط وترك المراجعة فسينسى ما حفظه مع تباعد الوقت، وقد أخبرنا الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: “تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها” (رواه مسلم).

ولذلك فإنني أرى أن أمامك إحدى طريقتين:

الأولى: الجمع بين المراجعة والحفظ يوميا: وذلك بأن تحددي كما معينا للحفظ وآخر للمراجعة، وأرى أنه يمكنك أن تحفظي ربعا أو نصف ربع في اليوم، ثم تراجعي جزءا أو حزبا، حسب ما تستطيعين.

الطريقة الثانية: المراجعة والحفظ أسبوعيا: وذلك بأن تحددي أياما للحفظ وأياما للمراجعة، وأرى مثلا أن تجعلي ثلاثة أيام للمراجعة، تراجعين كل يوم جزءا، وتجعلي أربعة أيام للحفظ، تحفظين كل يوم ربعا مثلا حسب ما تستطيعين أيضا.

وصايا عملية

أختاه، ثقي أن هذه الفترة الزمنية التي أنت فيها لن تعوض في حفظ القرآن ومراجعته؛ فأنت مهيأة نفسيا، وظروفك العمرية مناسبة، وبيئتك معينة؛ فأبوك يشجعك ويعينك ويشاركك الرأي؛ فأشد على يديك أن تستثمري هذه الظروف أفضل استثمار، وأن تحرصي على إجادة الحفظ واستظهار هذا الكتاب الكريم، حتى تكوني ماهرة فيه؛ ليتحقق فيك بشرى الرسول الكريم – صلوات ربي وتسليماته عليه- فتكوني مع الكرام البررة.

–       إخلاص النية لله تعالى، والتوجه إليه بهذه العبادة العظيمة، ومراقبة النفس في مقصدها بين الحين والآخر.

–       التعرف على فضائل القرآن وفضائل حفظته؛ فمعرفة فضائل الشيء دافعة للوصول إليه.

–       البعد عن المعاصي والتخلق بآداب القرآن؛ فهذا القرآن هو نور الله، ونور الله لا يهدى لعاص.

–       الدعاء واللجوء لله أن يتم عليك هذه النعمة ويحفظها عليك، ويمكنك منها.

–       وضع خطة مناسبة وواقعية -كما ذكرنا سابقا- والمحافظة عليها مهما كانت الظروف.

6-       فهم الآيات والتركيز فيها وتدبرها بالاستعانة بتفسير وجيز مختصر.

7-       تمييز الآيات المتشابهة والتعرف عليها ووضع طريقة معينة لحفظها وعدم التداخل بينها.

8-       تحديد وقت ومكان مناسبين للمراجعة، وتثبيت ذلك قدر الإمكان.

9-   المزاوجة بين تلاوة القرآن والاستماع إليه عن طريق إذاعة القرآن أو بعض الفضائيات أو الاستعانة بأشرطة وأسطوانات لبعض القراء المعتبرين.

0-   الاستعانة بشيخ متقن للقراءة للحفظ، والاستعانة ببعض الأهل أو الأصدقاء للمراجعة.

اعلمي أختي أن حفظك للقرآن هو نعمة من الله تعالى تستوجب منك الشكر، والشكر يكون من جنس النعمة، وقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” (رواه البخاري). فاحرصي على نشر هذه النعمة وتعليم من تستطيعين من أخواتك وصديقاتك القرآن.

أختاه من موجبات شكر هذه النعمة تطبيق ما تحفظين وترجمة هذا الحفظ إلى واقع عملي ملموس؛ فعليك أن تتحلي بآداب القرآن، وهي الواردة في الأحاديث التالية:-

ذكر ابن مسعود رضي الله عنه قال: “ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يختالون”.

وعن الفضيل بن عياض قال: “حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن  يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن”.

أختاه.. في النهاية نسأل الله أن يظلك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما أخبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله إلا ظله “شاب نشأ في طاعة الله”. كما نسأله تعالى أن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

وأرجو أن لا تنسينا من دعوة صالحة يذهب الله بها همنا وييسر أمرنا ويجيب دعوتنا.

 

مواضيع ذات صلة