حتى تتذوق حلاوة الصلاة

د. رمضان فوزي

الصلاة هي عمود الإسلام وعماده، وهي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، وهي الفريضة الوحيدة التي لا تسقط على المسلم أيا كانت ظروفه ما دام في مرحلة الإدراك، وكثيرة هي كتب الفقه ومؤلفاته التي تحدثت عن فقه الصلاة، لكننا هنا سنتناول جانبا آخر لا يقل أهمية عن فقه الصلاة وهو روح الصلاة. وهذه الروح تطرح على كل منا أسئلة من قبيل: أين أنا من الإحساس بالصلاة؟ هل أؤدي الصلاة بخشوع وخضوع وتدبر، أم هي حركات جوفاء لا روح فيها؟ وكذلك مع كل العبادات هل قلوبنا خلت من الدنيا والتعلق بما فيها حتى تكون النتيجة كما يراها ابن القيم “يفتح له باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها، ويجد فيها من اللذة والراحة أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب، ونيل الشهوات. بحيث إنه إذا دخل في الصلاة ودَّ أن لا يخرج منها. ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله؛ فلا يشبع منه، وإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد المحبة له…” .

في رحاب الصلاة

ونحن في رحاب الحديث عن الصلاة أنقل قول الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله- إذ يقول: “إن الصلاة هي الركن الذي يتكرر كل يوم خمس مرات بخلاف بقية الأركان؛ فالزكاة لا تكون إلا كل عام، وكذلك الصيام، وحج الفريضة لا يكون إلا مرة واحدة في العمر. وتكرار الصلاة في اليوم خمس مرات؛ ذلك للتعبير عن دوام الولاء العبودي لله تبارك و تعالى: قال تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 0]. والصلاة حين تتكرر كل يوم فإنها تعطي المؤمن شحنة اليقين والإيمان، وتأخذه من دنياه للوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى خمس مرات في اليوم و الليلة. وهذه هي العبادة التي لا تسقط أبدا عن الإنسان؛ فهو يؤديها في حال الصحة، وحال المرض. فالمؤمن يستطيع أن يصلي واقفا، وأن يصلي جالسا، وأن يصلي راقدا، ولا مانع إذا اضطرته الظروف أن يجري مراسم الصلاة على قلبه.

وعندما يرتفع صوت المؤذن بقوله: ((الله أكبر)) فهذه دعوة للإقبال على الله تعالى، إقبال في ساعة معلومة، للوقوف بين يديه سبحانه واستحضار عظمته؛ فيعطينا سبحانه وتعالى المدد. يقول الله سبحانه و تعالى : { وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 8} والقنوت في الصلاة معناه: الخشوع والاطمئنان والمداومة”.ا.هـ

وصايا مهمة

إذا أردت أخي المسلم أن تحس بصلاتك وتتذوق حلاوتها وخشوعها، فإليك عشر وصايا لعلها تفيدك في ذلك:

أولا- عليك أن تتهيأ للصلاة وتستعد لها: وذلك بعدة أمور؛ منها: ترديد الأذان مع المؤذن، والإتيان بالدعاء المشروع بعده “اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته”، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده “أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله”. “اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين”.

ثانيا- اطمئن في صلاتك: أي احرص على إتمام ركوعها وسجودها وكل أركانها؛ فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه. وقد روي عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، قيل: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟، قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها” [رواه أحمد والحاكم].

ثالثا- تتدبر الآيات المقروءة: فإذا كنت تصلي في جماعة فأنصت لما يتلوه الإمام من آيات، وإذا كنت منفردا فأنصحك أن تبدأ بحفظ قصار السور من جزء “عم”، ثم تتعرف على معانيها من بعض التفاسير الميسرة، ثم بعد ذلك اقرأها في صلاتك مع تدبر معانيها، وردد الآية أكثر من مرة فذلك أدعى للتدبر. وتخيل أن هذه الآيات نزلت لتخاطبك أنت لا أحد غيرك.

ويفضل أن تقطّع قراءتك آية آية فذلك أدعى للفهم، وهو سنة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله عليه وسلم “بسم الله الرحمن الرحيم، وفي رواية: ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وفي رواية: ثم يقف، ثم يقول: ملك يوم الدين” يقطّع قراءته آيةً آية [رواه أبو داود، وصححه الألباني].

رابعا- احرص على ترتيل الآيات وتحسين صوتك بها: فهذا مما يعين على الخشوع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “زينوا القرآن بأصواتكم؛ فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا” [أخرجه الحاكم].

خامسا- استشعر وثق أن الله يخاطبك ويعطيك سؤالك: وإليك حديثا عظيما جليلا، لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له خشوع بالغ، ولوجد لسورة الفاتحة أثرا عظيما. كيف لا وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي. فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي. فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل” [صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة].

فينبغي إجلال هذه المخاطبة، وقدرها حق قدرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه” [مستدرك الحاكم].

سادسا- استعِذ بالله من الشيطان الرجيم: إذا أحسست به يحاول أن يفسد عليك صلاتك فاستعذ بالله منه؛ فقد ورد أن أحد الصحابة قال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليّ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم: “ذاك شيطان يُقال له خنزب؛ فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا” قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. [رواه مسلم]. وإذا حدث وتغلب عليك مرة فلا تقطع صلاتك ولا تتوقف عنها، ولكن حاول معه مرات ومرات؛ فإنه سييأس منك؛ لأن كيده ضعيف.

سابعا- تعرف على حال السلف في صلاتهم: فهذا يزيد الخشوع ويدفع إلى الاقتداء بهم؛ فهذا سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: مالك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانةٍ، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها.

وهناك الكثير من أحوالهم مما لا يتسع المقام لذكره هنا، ويمكن قراءة المزيد في كتاب “الخشوع في الصلاة” لابن رجب الحنبلي .

ثامنا- تعرف على مزايا الخشوع في الصلاة: فمعرفة مزايا الشيء تدفع إلى الاجتهاد في طلبه. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله” [رواه مسلم].

تاسعا- تذكر الموت في الصلاة: فإن الإنسان إذا شعر أن هذه ربما تكون آخر صلاة له؛ فإنه سيحرص على الخشوع فيها. وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: “اذكر الموت في صلاتك؛ فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها”.

عاشرا وأخيرا- إذا قمت للصلاة فاخلع الدنيا من قلبك واتركها وراء ظهرك، واجعل وقت الصلاة خالصا للصلاة، ليس للدنيا فيه حظ ولا نصيب، ولتكن مثل حاتم الأصم الذي سألوه: كيف تخشع في صلاتك؟ فقال: “أخشع في صلاتي بأن أقوم فأكبر وأتخيل أن الكعبة بين عيني، وأن الصراط تحت قدامي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار على شمالي، وأن ملك الموت ورائي، وأن رسول الله يتأمل صلاتي، وأظنها آخر صلاة لي؛ فأكبر الله تعظيما، وأقرأ بتدبر، وأركع بخضوع، وأسجد بخضوع، وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته، ثم أسلم وأقول: أتراها قبلت أم لا؟”.

مواضيع ذات صلة