تاريخ النشر الأصلي 2015-05-18 10:59:43.
إن الشريعة الإسلامية الغَرَّاء هي الشريعة الخاتِمة التي أكمل الله بها الدين وأتمّ بها النعمة، وجعلها صالحة للخلافة في الأرض في كل زمان ومكان، لا تَبْلَى نصوصُها، ولا تهتزّ قواعدُها، ولأجل ذلك صارت هي الأُسّ في حفظ الضروريات الخمس في الحياة البشرية، وهي الدين والنفس والعِرض والعقل والمال، فهي شريعة تسعى لتحصيل المصالح وجلبها لتلك الضرورات، كما أنها في الوقت نفسه تقوم بالدفع قبل الرفع لأي مفسدة تخل بضرورة من الضرورات.
ولما كانت أمور الناس ومصالحهم تدور رَحَاها حول تلك الضروريات الخمس، وتحصيل مصالحها، ودَرْء مفاسدها، وحراسة ذلك وسياسته؛ كان لزامًا أن يكون للداعية المسلم وسيلة لايصال فكرة الوعي الجماعي للجماهير المسلمة يسلمون بها ويجتمعون عليها، ويضعون كفوفهم على كفّه؛ ليقوم التوازن فيهم، ولتتناسب الحقوق بينهم.
الدعوة لغة: النداء والطلب
الدعوة شرعًا: هي رسالة السماء إلى الأرض وهي هدية الخالق إلى المخلوق وهي دين الله القويم وطريقة المستقيم وقد اختارها الله وجعلها الطريق الموصل إليه سبحانه (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: 19). ثم اختارها لعباده وفرضها عليهم ولم يرض بغيرها بديلا عنها (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (آل عمران 85).
مشروعية الدعوة: قال الله تعالى: ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوإِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ (سورة يوسف: 108).
مفهوم “الضرورات” والفرق بينها وبين الحاجيات والتحسينيات:
مفهوم الضرورة من الناحية الفقهية هو الضيق الشديد الذي يلحق بالإنسان فيؤدي إلى ضرر وأذى في نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله.
ولغة: هي المشقة والألم.
الفرق بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات:
بالنسبة للحاجيات مع فوتها (لا يقع جميع الناس في الحرج بل البعض فقط وهم من قامت لديهم الأعذار التي أدت إلى تشريع الحكم المخفف، فالحرج والمشقة المدفوعان بالرخص إذا لم تشرع الرخص، لم يلحق كل الناس الحرج، بل يلحق بمن قامت بهم الأعذار كالمريض والمسافر، أما عدم شرعية الأحكام في الضروريات فيؤدي إلى لحوق الضرر بجميع الناس).
أما التحسينيات فهي كما قال الإمام الشاطبي: (الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات) ومثال ذلك مكارم الأخلاق.
علاقة “الضروريات الخمس” بأركان الدعوة وخصائصها:
علاقة الضروريات الخمس بأركان الدعوة وخصائصها هي علاقة تكافئية تجاذبية فالضروريات الخمس لا تقوم بدون داع إليها بالوسائل الشرعية وهي ليست إقليمية بل عالمية الانتشار والمنافع للفرد والجماعة ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ (سورة الأنبياء: 107)، فهي عالمية من حيث الزمان والمكان الى أن يرث الله الارض ومن عليها، فالإسلام بشموله ووسطيته ومحاسنه ومنهاجه صالح لكل جيل إذا وجد من يفهمه ويعمل به ويدعو إليه بوسائله الشرعية.
لا تعيش المجتمعات حياة مستقرّة سعيدة إلا مع ضمان هذه الضروريات الخمس وبدونها تصبح الحياة كالغابة يأكل القوي الضعيف.
مشروعية “حفظ الدين” في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:
جاء ما يدل على حفظ الدين؛ نهيه سبحانه عن الشرك به، في قوله: ]وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ الا إياه[ (الإسراء:23)، وقال تعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ (سورة الذاريات: 56)، وفي قوله تعالى: ]وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ[ وقوله جل جلاله: ]وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا[. ومن السنة ما اخرجة البخاري في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً” (سورة الذاريات: 56).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: “بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه”. فبايعناه على ذلك. أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار (17)، ومسلم في الحدود (1709).
قال ابن الحاج: “ويقدم حفظ الدين من الضروريات على ما عداه عند المعارضة؛ لأنه المقصود الأعظم، قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ” [الذاريات: 56]، وغيره مقصود من أجله، ولأن ثمرته أكمل الثمرات، وهي نيل السعادة الأبدية في جوار ربّ العالمين.
وقال الشاطبي: فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك، والعادات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً، لكن بواسطة العادات والجنايات، ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم” [الموافقات (2/18- 20).]
مشروعية “حفظ النفس” في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:
حفظ النفس (لرعاية حقوق الإنسان): النهي عن كل اعتداء يمس بها كالقتل والتهديد، كما أوجب الإسلام القصاص لحمايتها،
وجاء في حفظ النفس قوله تعالى: [وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـادَكُمْ مّنْ إمْلَـاقٍ] [الأنعام: 151]، وقوله تعالى: [وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ] [الأنعام: 151].
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات). (تخريج)
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي: (أوّل ما يقضى بين الناس؛ في الدماء). قال النووي: “فيه تغليظ أمر الدماء، وأنها أوّل ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها، وليس هذا الحديث مخالفًا للحديث المشهور في السنن: ((أول ما يحاسب به العبد صلاته)) لأنّ هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى.
قال الإمام الغزالي -رحمه الله- في المستصفى 1/287: (مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو:
أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة. وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة).
مشروعية “حفظ العقل” في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم:
وأوجب الإسلام الحفاظ على العقل فحرم كل مسكر وعاقب من يتناوله. فقد حرم الخمر وكل مسكر مفتر ويدخل فيه المخدرات، وعاقب من تعاطها بالجلد، وحكمة تحريمها هو ما فيها من المفاسد، ومنها ما ذكرها الله حيث قال: ]يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتبنوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم والعداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (المائدة:90،91].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) [رواه مسلم]. وقال: (إن من الحنطة خمرًا، ومن الشعير خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن التمر خمرًا، ومن العسل خمرًا، وأنا أنهى عن كل مسكر) [رواه أبوداود].
وعن وابل الحضرمي أن طارق بن سويد سأل النبي عن الخمر يصنعها للدواء فقال: (إنها ليست بدواء، ولكنها داء) [رواه مسلم].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها الموجبة لسخط الله تعالى وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرّضة صاحبها لعقوبة الله، تشتمل على ضرر في دين الإنسان وعقله، وخلقه وطبعه وتغيب الأمزجة، حتى جعلت خلقًا كثيراً مجانين، وتورث مهانة آكلها ودناءة نفسه وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن السكر حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين..” أ. هـ.
وقال الحافظ ابن حجر: “إن من قال إن الحشيشة لا تسكر وإنما هي مخدّر، مُكابر فإنها تحدث ما يحدثه الخمر من الطرب والنشوة”.
—————————
إعداد/ فريق التحرير بلجنة الدعوة الإلكترونية.
انتظروا الجزء الثاني من المقال.
.
لقراءة الجزء الثاني من المقال اضغط هنا.