قيم الإسلام وأخلاقه (2-2)

تاريخ النشر الأصلي 2017-05-01 12:36:11.

ذكرنا في المقال الأول من هذا الموضوع أن الإسلام قد جاء ليربي أهله على مكارم الأخلاق عبر مجموعة من قيم الإسلام النبيلة، والمبادئ الإنسانية الرفيعة وقد جاءت تلك القيم والمبادئ والأخلاق في دستور الأمة الإسلامية (القرآن الكريم، وسنة نبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم (القولية والفعلية والتقريرية) قال تعالى: “…مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام:38)، “وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ” (الحجر:20)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال (أدبني ربي فأحسن تأديبي).

والقيمـــة هي صفة في شيء تجعله موضع تقدير واحترام أي أن هذه الصفة تجعل ذلك الشيء مطلوباً ومرغوباً فيه، سواءً كانت الرغبة عند شخص واحد، أو عند مجموعة من الأشخـاص. مثال ذلك إن للنسب عند الأشراف قيمة عالية، وللحكمة عند العٌلماء قيمة عظيمة، وللشجاعة عند الأمراء قيمة مرغوبة، ونحو ذلك.

ثالثًا: المساواة.. من قيم الإسلام الراقية

1- تعريفها:

تعني المساواة: المماثلة و العدالة، و المراد بها: المماثلة و المشابهة بين الشيئين في القدر و القيمة. فإذا قلنا:الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان، إنما ذلك يعني أنه يكافئه في الرتبة، و يعادله في القيمة الإنسانية، و له من الحقوق مثل ما له، و عليه من الواجبات مثل ما عليه.

2- أهميتها:

المساواة مبدأ هام في حياة البشر، أقره الشرع، و رضيه العقل، و أملته سنة التمدن و الإجتماع، و من أجل دفع التميز بين فرد و آخر للحصول على هذه الحاجة أو تلك المنفعة، كان لا بد من وضع قاعدة مستقيمة، تحفظ هذا الحق للجميع في ظروف متشابهة، فكانت المساواة أنسب قاعدة له، إذ عن طريقها يمكن أن تضمن الحقوق البشرية كلها، فضلا عن الحقوق التى يطلبها اثنان من الناس.

3- أنواعها:

للمساواة في الاسلام أنواع كثيرة، يمكن حصرها و تطبيقاتها في الآتي:

أ- المساواة في القيمة الإنسانية:
جاء الإسلام و وجد الناس يتفاضلون في الخلق و النشأة، و يتميزون في الأحساب و الأنساب، و يتقاتلون للحمية و العصبية، ناسين أنهم من أصل واحد و مصدر واحد.
فقد كان الهنود البراهميون يقرون التفاضل في القيمة الإنسانية، وأنهم يفضلون غيرهم في ذلك. أما اليونان فقد كانوا يعتقدون أنهم شعب مفضل على سائر الشعوب و أنهم خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى، التي أطلقوا عليها اسم ((البربر)).

المساواة في الإسلام: أما الإسلام فقد حرص كل الحرص على تقرير المساواة بين الناس في القيمة البشرية، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه، و عن هذا النوع من المساواة، نوه القرآن الكريم فقال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء:70).

ب- المساواة أمام الشريعة:
إن الله تعالى استقل بالخلق و التشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه و شرعه، و قطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل و التميز عن غيرها، و تذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه، و من أنظمة الحياة ما تشتهيه، سواء أضرها أم لا، و لذلك اختص الله وحده بالتشريع، كما اختص كذلك بالخلق و التكوين قال الله تعالى: “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ“(يوسف:40).

ج- المساواة أمام القضاء:
يعتمد القضاء في الإسلام على التشريع الإلهي، فإذا كان الناس أمام التشريع سواء، فهم عند تنفيذه كذلك سواء، لا تفريق في ذلك بين القاضي و المقضي له، و الحاكم و المحكوم، و كل إنسان في الإسلام تطاله يد القضاء كائنا من كان حين يقتضي الأمر ذلك، وقد عمل بالمساواة أمام القضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، فقد روت عائشة –رضي الله عنها –أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله، و من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟) ثم قام فخطب فقال: (أيها الناس! إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله !لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

د- المساواة بين المسلمين وأهل الذمة:
أهل الذمة: هم المعاهدون من أهل الكتاب، و من في حكمهم، الذين يقيمون بدولة الإسلام، و قد سموا بذلك، لأن لهم حقوقا قبل المسلمين، فعقد الذمة، يمنحهم عهدا بإباحة إقامتهم على التأبيد في دولة الإسلام، كما يمنحهم الأمان على دمائهم و أموالهم و أعراضهم، أي حمايتهم من العدوان الخارجي، أو التعدي الداخلي، و عليهم في مقابل ذلك التزامات معينة.
و هناك نصوص و وقائع كثيرة، تدل على شرعية المساواة بين المسلمين و غيرهم.
منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة).

رابعًا: الإخاء

ليس من الفطرة أن يعيش الناس على هذا الكوكب في تشتت و تمزق، و لا من العقل و المنطق أن يتنافر البشر ويتناطحوا، و قد أوجدهم الله تعالى من مصدر واحد، و أصل واحد، خلقهم جميعا من آدم و حواء، أبيضهم و أسودهم، عربيهم و عجميهم، سيدهم و مسودهم غنيهم و فقيرهم.

1- مفهوم الإخاء: 

الأصل في الإخاء أنه اشتراك الطرفين في الولادة القريبة أو البعيدة. أما القريبة فمثل موسى و هارون عليهما السلام، فقد كان بينهما إخاء في الأب و الأم.

قال تعالى مخبرا عنهما: “…وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ“(الأعراف:150). و أما البعيد فمثل عاد و هود.

و نحن إذا دققنا النظر في مسمى ((الإخاء))، و مدلوله اللغوي و الشرعي، و جدنا أنه تنتظمه ثلاثة أنواع:

أ- أخوة في النسب و القرابة، و هي المراد في باب المواريث، مثل قوله تعالى: “…وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ…“(النساء:11) و كل إنسان يولد مزودا بها.

ب- أخوة في الآدمية و الإنسانية، و هي المراد في مطلق الإنسان، أو بني آدم، أو النوع
قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا“(الإسراء:70).

ج-أخوة في الدين و العقيدة، و هذه هي المرادة في باب الإيمان و فروعه، كقوله تعالى: “…فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا…” (آل عمران:103) أي أصبحتم بالإسلام إخوانا متحابين بجلال الله تعالى، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر و التقوى.

2- ثمرة الإخاء، و يمكن تقسيمها إلى قسمين:

أ-ثمرة في الدنيا: و هي كالآتي:

– الوحدة و الجماعة
– إزالة الفوارق الطبقية و الاجتماعية
– النصح و الإرشاد
– تقدم المسلمين في كل مجال وميدان

ب-ثمرته في الآخرة: و هي كالآتي:

– الحصول على مرضاة الله بدخول الجنة
– الأمن من شدائد يوم القيامة وأهواله

– الفوز بدعوة المؤمنين الصالحين قبل و بعد الموت

خامسًا: الجمال

1- تعريفه: 

الجمال ضد القبح، و هو الحسن و الزينة، و منه الحديث: (إن الله جميل يحب الجمال) أي حسن الأفعال، كامل الأوصاف.
واصطلاحا: حسن الشيء و نضرته و كماله على وجه يليق به.

ومعنى ذلك، أن كل شيء جماله وحسنه كامن في كماله اللائق به، الممكن له، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال، و إن كان الحاضر بعضها فله من الحسن و الجمال بقدر ما حضر.
فالفرس الجميل هو الذي جمع كل ما يليق بالفرس الكامل، من هيئة وشكل ولون وحسن عدو، وتيسر كر و فر عليه.

2- أهميته: 

الجمال سمة واضحة في الصنعة الإلهية، و حيثما اتجه الإنسان ببصره، يجد من صنع الله ما يجذبه بلونه، أو يستهويه بصوته، أو يتملك فؤاده بدقته المتناهية وصنعته المحكمة، فهو –أي الجمال – بعض آيات الله، التي أودعها في خلقه، وطلب الإنسان أن ينظر فيه، ويستجلى أسراره، ويستقبل تأثيراته، و يعتبر بعبرته.

قال تعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (الأنعام:99).

3- أنواع الجمال: 

الأشياء التي تنتظم هذا الكون الفسيح، إما أن تكون أجساما، لها طول و عرض و عمق كالإنسان و الحيوان، و السمماء و الأرض، و الشمس و القمر، و نحوها، و إما أن تكون معان، كالأقوال و الأفعال و الأسماء و الصفات و نحوها و على هذا، يمكن تقسيم الجمال إلى قسمين:-

أ-جمال حسي: و هو الذي يدرك بالحس، كجمال الطبيعة في سمائها وأرضها و شمسها وقمرها و ليلها ونهارها وبرها وبحرها، وكجمال الإنسان من حيث تكوينه.

ب – جمال معنوي: و يتمثل في أمور كثيرة، لا تدرك بالحس و الرؤية، و لكنها تدرك بالعقل الواعي، و البصيرة المفتوحة.

4- ميادين الجمال: 

من خلال ما سبق ذكره من تقسيم الجمال إلى حسّي و معنوي، نستطيع أن ننطلق منه، لمعرفة ميادين الجمال ومجالاته وهي:-

أ-الطبيعة: فالطبيعة بكل ما تحتويه من أرض وسماء، وإنسان وحيوان، ونبات وجماد، تصلح ميدانا” رحبا”، ومجالا” فسيحا” للجمال، والقرآن الكريم حين تناول “الطبيعة” لفت الإنسان إلى كثير من دقائقها.

ب-الإنسان: الإنسان ميدان آخر للجمال، يتخلله الجمال منذ مرحلة تكوينه ونشأته، إلى مرحلة نضجه وتكامله، بل إن الجمال من أبرز سمات الإنسان التي نوه بها القرآن الكريم، للدلالة على قدرة الله تعالى و إبداعه، يمتن الله به على عباده.

ج-الفن: و الفن نتاج إنساني، استفاده من الطبيعة التي سخرها الله له، و من عقله الذي و هبه إياه، و الإسلام قائم على أساس العقيدة، ذات التصور الشامل عن الكون و الحياة و الإنسان، و لهذا فلا مجال فيه للباطل من الأوهام والخرافات، و الأصنام و الأوثان.

اضغط لقراءة الجزء الأول من المقال

_______________________________________________

إعداد/ فريق التحرير بلجنة الدعوة الإلكتروينة

.

 

مواضيع ذات صلة