كيف آمن هؤلاء؟ موريس بوكاي (1)

تاريخ النشر الأصلي 2017-12-18 14:27:58.

موريس بوكاي

موريس بوكاي

ولد موريس بوكاي لأبوين فرنسيين، وترعرع كأهله في الديانة النصرانية، ولما أنهى تعليمه الثانوي انتظم في دراسة الطب في جامعة فرنسا، فكان من الأوائل حتى نال شهادة الطب، وارتقى به الحال حتى أصبح أشهر وأمهر جراح عرفته فرنسا الحديثة، فكان من مهارته في الجراحة له قصة عجيبة قلبت كيانه، وغيرت حياته.

اشتهر عن فرنسا أنها من أكثر الدول اهتماما بالآثار والتراث، وعندما تسلم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الراحل (فرانسوا ميتران) زمام الحكم في البلاد عام 1981م، طلبت فرنسا من مصر في نهاية الثمانينيات استضافة مومياء (فرعون مصر) في فرنسا لإجراء اختبارات وفحوصات أثرية ومعالجة.

فتم نقل جثمان أشهر طاغوت عرفته مصر، وهناك –وعلى أرض المطار- اصطف الرئيس الفرنسي منحنيا ووزراؤه وكبار المسؤولين في البلاد عند سلم الطائرة؛ ليستقبلوا فرعون مصر استقبال الملوك، وكأنه ما زال حيا!!

عندما انتهت مراسم الاستقبال الملكي لفرعون مصر على أرض فرنسا، حُملت مومياء الطاغوت بموكب لا يقل حفاوة عن استقباله، وتم نقله إلى جناح خاص في مركز الآثار الفرنسي، ليبدأ بعدها أكبر علماء الآثار في فرنسا وأطباء الجراحة والتشريح دراستها واكتشاف أسرارها، وكان رئيس الجراحين والمسؤول الأول عن دراسة هذه المومياء الفرعونية هو البروفيسور موريس بوكاي.

كان المعالجون مهتمين بترميم المومياء، بينما كان اهتمام بوكاي اكتشاف كيف مات هذا الملك؟، وفي ساعة متأخرة من الليل، ظهرت نتائج التحليل النهائية.

لقد كانت بقايا الملح العالقة في جسده أكبر دليل على أنه مات غرقا، كما أن جثته استخرجت من البحر بعد غرقه مباشرة، ثم أسرعوا بتحنيطه لينجوا بدنه.

لكن ثمة أمرا غريبا ما زال يحيره، وهو كيف بقيت هذه الجثة –دون باقي الجثث الفرعونية المحنطة- أكثر سلامة من غيرها، رغم أنها استخرجت من البحر؟!.

اعتَقَد أنه أحرز اكتشافا!

همّ موريس بوكاي بكتابة تقريره النهائي الذي اعتقد أنه اكتشاف في انتشال جثة فرعون من البحر وتحنيطها مباشرة، حتى همس أحدهم في أذنه قائلا: لا تتعجل! فإن المسلمين يتحدثون عن غرق هذه المومياء!!!

استنكر بوكاي الخبر بشدة، فمثل هذا الاكتشاف لا يمكن معرفته إلا بتطور العلم الحديث، وعبر أجهزة حاسوبية حديثة بالغة الدقة، فزاد آخر من اندهاشه بقوله: إن قرآنهم الذي يؤمنون به يروي قصة عن غرقه، وعن سلامة جثته بعد الغرق.

فازداد ذهولا، وأخذ يتساءل: كيف يكون هذا.. و هذه المومياء لم تكتشف أصلا إلا في عام 1898 ميلادية، أي قبل مائة عام تقريبا، بينما قرآنهم موجود قبل أكثر من ألف و أربعمائة عام؟! و كيف يستقيم في العقل هذا، والبشرية جمعاء –وليس المسلمين فقط- لم يكونوا يعلمون شيئا عن قيام قدماء المصريين بتحنيط جثث فراعنتهم إلا قبل عقود قليلة من الزمان فقط؟!.

جلس بوكاي ليلته محدقا في جثمان الفرعون يفكر بإمعان فيما همس له به أصحابه من أن قرآن المسلمين يتحدث عن نجاة هذه الجثة بعد الغرق، بينما كتاب المسيحيين المقدس (إنجيل متى ولوقا) يتحدث عن غرق فرعون أثناء مطاردته لموسى عليه السلام دون أن يتعرض لمصير جثمانه.

لم يستطع موريس بوكاي أن ينام، وطلب أن يأتوا له بالتوراة، فأخذ يقرأ في (سفر الخروج) قوله: (فرجع الماء وغطى كل مركبات وفرسان جميع جيش فرعون الذي دخل وراءهم في البحر، ولم يبق منهم ولا واحد). وبقي موريس بوكاي حائرا.

أعادت فرنسا لمصر المومياء في تابوت زجاجي فاخر، ولكن بوكاي لم يهدأ له بال، منذ أن هزه الخبر الذي يتناقله المسلمون عن سلامة هذه الجثة؛ فحزم أمتعته وقرر أن يسافر إلى المملكة العربية السعودية لحضور مؤتمر طبي يتواجد فيه جمع من علماء التشريح المسلمين، وهناك كان أول حديث تحدثه معهم عما اكتشفه من نجاة جثة فرعون بعد الغرق، فقام أحدهم وفتح له المصحف، وأخذ يقرأ له قول الله تعالى: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” (يونس:92).

لقد كان وقع الآية عليه شديدا، ورُجت لها نفسه رجة جعلته يقف أمام الحضور ويصرخ بأعلى صوته: (لقد دخلت الإسلام، وآمنت بهذا القرآن).

من إسهامات موريس بوكاي…

رجع موريس بوكاي إلى فرنسا بوجه غير الذي ذهب به، وهناك مكث القرآن والعلم الحديثسنوات ليس لديه شغل يشغله سوى دراسة مدى تطابق الحقائق العلمية والمكتشفة حديثا مع القرآن الكريم، والبحث عن تناقض علمي واحد مما يتحدث به القرآن ليخرج بعدها بنتيجة قوله تعالى: “لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” (فصلت:42).

وكان من ثمرة هذه السنوات التي قضاها أن خرج بتأليف كتاب (القرآن والتوراة والإنجيل و العلم.. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة).. وقد نفدت طبعته الأولى من جميع المكتبات سريعا، ثم أعيدت طباعته بمئات الآلاف بعد أن تُرجم من الفرنسية إلى العديد من اللغات لينتشر بعدها في دول الشرق والغرب.

يقول موريس بوكاي: (إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه نصوص القرآن لأول مرة هو ثراء الموضوعات العلمية، وعلى حين نجد في التوراة –الحالية- أخطاء علمية ضخمة، لا نكتشف في القرآن أي خطأ، فلو كان قائل القرآن إنسانا، فكيف استطاع في القرن السابع أن يكتب حقائق لا تنتمي إلى عصره؟!!).

وقد منحته الأكاديمية الفرنسية عام 1988م جائزتها في التاريخ، عن كتابه (القرآن الكريم والعلم الحديث).

_____________________________________

المصدر: بتصرف عن كتاب عظماء أسلموا، الصادق أحمد عبد الرحمن برير، دار الحضارة للنشر والتوزيع.

مواضيع ذات صلة