مواجهة فيروس كورونا.. رؤية إسلامية

د. رمضان فوزي (خاص بموقع "المهتدون الجدد")
وضع الإسلام منهجا للتعامل مع الأوبئة مثل كورونا

وضع الإسلام منهجا للتعامل مع الأوبئة مثل كورونا

يتنادى العالم منذ عدة أيام لمواجهة ذلك الفيروس الذي لم يكون معروفا من قبل، وهو فيروس كورونا الذي مات بسببه العشرات في الصين في أيام قليلة، وأصيب به الآلاف؛ وهو ما حدا بحكومات العالم إلى التفكير في أخذ الحيطة والحذر، وقاية وعلاجا من هذا الفيروس المدمر.

وإزاء هذا الموقف لا بد من توضيح الرؤية الإسلامية في التعامل معه؛ فالإسلام دين شامل ينتظم كل مناحي الحياة، كما أنه جاء بمقاصد كلية في مقدمتها حفظ النفس.

ومن شمولية الإسلام أنه وضع منهجا للتعامل مع الجوائح والأوبئة والأمراض؛ حفظا للنفس من الهلاك والموت، وهذا المنهج يمكن تقسيمه إلى مرحلتين؛ الأولى هي مرحلة الوقاية بحيث يكون المسلم في مأمن من وصول المرض إليه. والمرحلة الثانية هي مرحلة العلاج بحيث يمكن علاج المرض إذا نفذ من وسائل الوقاية وأصاب الإنسان.

فمن وسائل الإسلام في الوقاية من الأمراض:

أولا- اهتم الإسلام بالنفس البشرية، وجعل الحفاظ عليها من مقاصد الشريعة الكلية كما ذكرنا، وجعل قتلها أو تعريضها للهلاك والخطر من الكبائر.

ثانيا- جعل النظافة والمحافظة عليها من مظاهر الإيمان ومن شروط أداء مناسك الإسلام؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان”، وجعل الوضوء من شروط صحة الصلاة، وفرض الغسل من الجنابة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمساً، هل يُبْقي من درنه شيئاً؟”.. وامتدت هذه الطهارة لتشمل الفم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: “لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ”. وقال ابن عباس رضي الله عنه: “لقد كنَّا نُؤْمَرُ بالسواك، حتى ظننَّا أن سينزل به قرآن”.

إذن فالوضوء والاغتسال والسواك من وسائل الوقاية من الأدران والأوبئة ومنها وباء كورونا الجديد.

ثالثا- حدد الإسلام سننا للفطرة، ينبغي على المسلم والمسلمة الحرص عليها؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه السلام قال: “خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط”. والمتأمل في هذه السنن يدرك دورها في وقاية الإنسان من الأمراض وحماية، فضلا عما فيها من جمال الظاهر.

رابعا- حدد الإسلام لأتباعه ما الطيبات من الطعام والمأكولات فأحلها لهم، وحرم عليهم الخبائث منها فحرمها عليهم، كما قال عزل وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: 157). ودائرة الحلال واسعة جدا كما توضح الآية الكريمة: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام: 145).

وتدل الأحداث على أن كثيرا من الأمراض خاصة الأمراض الفتاكة –ومنها مرض كورونا هذا- سببها مخالفة شرع الله تعالى، واستحلال أكل ما حرم من الخبائث التي تتسبب بداية في المرض ثم ينتشر بعد ذلك بالعدوى في المجتمع كله.

خامسا- وحتى فيما أحله الله تعالى من الأكل والشرب وضع له ضوابط بحيث لا يؤدي إلى الضرر؛ فمن هدي الإسلام الاقتصاد في الأكل والشرب، قال صلى الله عليه وسلم: “مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ الآدَمِي لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ”.

كما أمرهم بالحفاظ على نظافة الأطعمة والأشربة، فقال صلى الله عليه وسلم: “غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ”.

سادسا- كذلك حرص الإسلام على نظافة ثوب الإنسان وجعله العلماء من شروط صحة الصلاة، ويكفي أن من أوائل الآيات القرآنية التي نزلت قوله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر: 4، 5).

سابعا- ومن ذلك أيضا تنظيم الإسلام للعلاقات الاجتماعية في صورة تحقق أمن المجتمع وسامة أفراده؛ فحرم الزنا واللواط اللذين هما سبب كثير من الأمراض (مثل الإيدز)، وحتى في دائرة الحلال جعل هناك ضوابط في العلاقة الزوجية بمن يضمن سلامة الزوجين؛ فنهى عن إتيان المرأة في دبرها وكذلك إتيانها في وقت المحيض.

منهج الإسلام في العلاج من الأمراض

لكن ماذا لو أن المرض تمكن من الإنسان، وأصاب جسده؟.. هنا وضع الإسلام أيضا منهجا واضحا للتعامل مع الأمراض، منها:

أولا- على الإنسان المسلم المريض بداية أن يرجع أمره كله لله تعالى وإلى قضائه وقدره، ويكون حاله كما قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”؛ فهذا الإيمان واليقين في الله تعالى سيكسب الإنسان صحة نفسية تعينه على علاج جسده بالأخذ بالأسباب.

ثانيا- حث الإسلام على الأخذ بالأسباب الطبية والعلاجية؛ فجاء الأمر النبوي واضحا بالتداوي من الأمراض في قوله –صلى الله عليه وسلم-: “تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم”، وقال –صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: ” إن الله لم ينزل داءً، -أو لم يخلق داءً- إلاّ أنزل -أو خلق- له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا: يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت”، وهذا الحديث يعطي أملا للمرضى بأن لكل مرض علاجا ودواء، وأيضا يحفز العلماء والأطباء على السعي لاكتشاف العلاجات المناسبة لكل الأمراض، وأن يحذفوا من أدبياتهم مقولة: “إن هذ المرض ليس له دواء” فالحقيقة أن له دواء لكنه لم يكتشف بعد.

رابعا- تعامل الإسلام مع الأوبئة والأمراض المعدية –ومنها طبعا مرض كورونا- تعاملا مناسبا؛ حيث سبق العلم الحديث في وضع أفضل قواعد الحجر الصحي؛ فقال صلى الله عليه وسلم: “إذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا”.

وفي النهاية.. هذه هي تعاليم ديننا الحنيف الذي جعل الخير والسعادة والأمن في اتباع تعاليمه، والشر والشقاء في البعد عنه. وعلى الدعاة أن يقوموا بدورهم في توضيح هذه الدرر النفيسة والتعاليم الغالية للناس؛ فيعلموا أن دورهم في المجتمع يجب أن يكون مواكبا لتحديات العصر؛ فيوعوا الناس ويعلموهم، ويأخذوا بأيديهم ويرشدوهم.

مواضيع ذات صلة