مودة ورحمة(1).. مشروعية الزواج وحكمته

تاريخ النشر الأصلي 2020-01-16 12:00:23.

إعداد: فريق تحرير موقع "المهتدون الجدد"

جاء الإسلام لينظم حياة الناس على أسس قويمة ومبادئ جليلة مستمدة من النهج الرباني الذي يعد أسمى المناهج وأعلاها، وأقدرها على تحقيق سعادة الناس في معاشهم ومعادهم؛ ذلك أنه منهج رب العالمين {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، والذي شرع الزواج ليكون أحد هذه السبل الذي تستقيم بها حياة الناس.

وتتعدد الأحكام الفقهية والآداب الاجتماعية المتعلقة بالزواج؛ بدءا بالتفكير فيه واختيار الزوجة وانتهاء بإقامة أسرة متعاونة مترابطة على هدى من الله ورضوان.

وفي سلسلة من الحلقات المتتابعة سنعرض لفقه الزواج وآدابه وأبرز أحكامه التي لا يسع المسلم الجهل بها..

مشروعية الزواج والحكمة منه

قبل التطرق للحديث عن مشروعية الزواج والحكمة منه ينغي التأكيد على أن الزوجية سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي عامة مطردة، لا يشذ عنها عالم الانسان، أو عالم الحيوان أو عالم النبات: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات: 49)، { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} (ياسين: 36).

وهي الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر، واستمرار الحياة، بعد أن أعد كلا الزوجين وهيأهما؛ بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى} (الحجرات: 13)، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً} (النساء: 1).

ولم يشأ الله أن يجعل الإنسان كغيره من العوالم، فيدع غرائزه تنطلق دون وعي، ويترك اتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له؛ بل وضع النظام الملائم لسيادته، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه، ويصون كرامته؛ فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالا كريما، مبنيا على رضاهما، وعلى إيجاب وقبول، كمظهرين لهذا الرضا، وعلى إشهاد، على أن كلا منهما قد أصبح للآخر.

وبهذا وضع للغريزة سبيلها المأمونة، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة عن أن تكون كلأ مباحا لكل راتع، ووضع نواة الأسرة التي تحوطها غريزة الأمومة وترعاها عاطفة الأبوة؛ فتُنبت نباتا حسنا، وتثمر ثمارها اليانعة (انظر: فقه السنة للسيد سابق: 2/7).

أولا- مشروعية الزواج

مشروعية الزواج في الدين الإسلامي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع..

فأما الكتاب فمنه قول الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} (النساء: 3)، ولما ذكر الله عز وجل النساء اللائي لا يحل التزوج بهن قال سبحانه: { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (النساء: 24)، وأخبر سبحانه وتعالى أن الزواج من سنن الأنبياء والمرسلين فقال سبحانه: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (الرعد: 38).

أما السنة النبوية المطهرة فتستمد مشروعية الزواج منها من فعله صلى الله عليه وسلم؛ حيث تزوج صلى الله عليه وسلم، وأكد أن ذلك من سنته فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت أزواجِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يسألون عن عِبادة النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فلمَّا أُخبِروا كأنَّهم تَقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر؟! فقال أحدهم: أمَّا أنا فإنِّي أُصلِّي الليل أبدًا، وقال آخَر: أنا أصومُ الدهر ولا أفطر، وقال آخَر: أنا أعتزلُ النساء فلا أتزوَّج أبدًا، فجاء رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إليهم، فقال: “أنتم الذين قُلتم كذا وكذا؟! أمَا والله إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأُفطر، وأُصلِّي وأرقُد، وأتزوَّج النساء، فمَن رغب عن سنَّتي فليس منِّي” (أخرجه البخاري ومسلم).

ومن سنته القولية صلى الله عليه وسلم قوله: “يا مَعْشَرَ الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصَر وأحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وجاء” (أخرجه البخاري ومسلم). وقوله عليه الصلاة والسلام: “تزوَّجوا؛ فإنِّي مُكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة”.

أما الإجماع فقد أجمع علماء الأمة سلفهم وخلفهم على مشروعية الزواج؛ بل ورتب له فقهاؤها أحكاما تتنوع بين الوجوب والاستحباب والندب والإباحة حسب حالة الفرد.

ثانيا- الحكمة من الزواج

تتعدد الحكمة من الزواج وتتنوع، ويستطيع كل متدبر فيها استنباط الكثير من الحكم منها، ونكتفي هنا ببعضها ملخصا:

  • الحفاظ على الحياة الشرية واستمراريتها: كما قال عز وجل: { وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النحل: 72).
  • حفظ الأنساب وإحكام الصلة بين السر والقبائل: كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (الفرقان: 54).
  • سلامة المجتمع ووقايته من الانحلال الخلقي: وهذا يؤخذ من الحديث الذي مر بنا منذ قليل: “يا مَعْشَرَ الشباب، مَن استطاع الباءة فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصَر وأحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وجاء” (أخرجه البخاري ومسلم).
  • حصول السكن والأنس والطمأنينة: كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21).
  • تكثير عدد المسلمين وتقويتهم، وهو مقصدٌ شرعي جاءت السُّنَّة بالتأكيد عليه؛ فعن معقل بن يَسار قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: إنِّي أصبتُ امرأةً ذات حسَب وجمال وإنها لا تلدُ، أفأتزوَّجها؟ قال: “لا”، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: “تزوَّجُوا الودود الولود؛ فإنِّي مكاثرٌ بكم الأمم” (رواه أبو داود).
  • وفي النهاية نؤكد على أن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي تلح على صاحبها دائما في إيجاد مجال لها؛ فما لم يكن ثمة ما يشبعها، انتاب الإنسان الكثير من القلق والاضطراب، ونزعت به إلى شر منزع. والزواج هو أحسن وضع طبيعي، وأنسب مجال حيوي لإرواء الغريزة وإشباعها؛ فيهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس من الصراع، ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام، وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله.

نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه.. وأن يفقهنا في ديننا.

المراجع:

  • آداب الخطبة والزفاف وحقوق الزوجين – عبد الله ناصح علوان.
  • فقه السنة – السيد سابق.
  • مشروعية الزواج وفوائده – عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي.

مواضيع ذات صلة