تاريخ النشر الأصلي 2019-03-17 13:42:48.
يرى الغرب في فلسفته أن الإنسان لكي يُبدع ويتطوَّر لا بد له من منافس، وإذا كان وحده هو المنتج المفكِّر فلن يكون هناك دافع للمنافسة؛ ولأن هناك طبيعة عدوانية شريرة تسري في دماء الساسة الغربيين ورجال الدين؛ فهم جعلوا المطلوب عدوًّا وليس منافسًا، وكان العدو المقترح بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو الإسلام!
(مقتطف من المقال)
د. راغب السرجاني
ينظر كثير من أبناء الحضارة الغربية إلى الإسلام والمسلمين نظرة سلبية محضة نتيجة لعدة عوامل ساهمت في ذلك، فما هي تلك العوامل؟ وكيف يساهم المسلمون في تثبيت تلك العوامل؟
عوامل هذه النظرة السلبية متعددة؛ منها:
1-النظرة العقدية
قال تعالى: “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” (البقرة:120).. وهذا إقرار للواقع؛ فهم يروننا منحرفين عن عقيدتهم التي توارثوها، كما يسمعون من رجال دينهم، وهذا كما يفعل الغالبية مِنَّا إذ يكتفون بما ورثوه من آبائهم وبما يسمعونه من علماء الإسلام دون أن يبحثوا في عقيدة الآخر ويعرفوا فسادها.
ومما يُؤَجّج هذه المشاعر تولي الأحزاب اليمينية المتطرِّفة للحكم في البلاد غير المسلمة، كما حدث في أمريكا مع جورج بوش، وكما حدث في بريطانيا عام 1993م عندما ذكر ألفريد تشيرمان مستشار رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر أن أوروبا المسيحية تتعرض لتهديد إسلامي؛ فهذه الأحزاب المتطرفة تُشعل النزعة الدينية المتعصبة في نفوس الغربيين.
ويُشعل هذا الأمر أيضًا أن الساسة الغربيين يرون أن الشباب الأوروبي المسيحي بالوراثة أصبح أغلبه ملحدًا لا ينتمي إلى المسيحية ولا لأي دين، بينما أعداد المسلمين تتزايد، والتمسك بالإسلام بين الأجيال الجديدة أعلى نسبة من تمسك الشباب المسيحي بدينه؛ وهذا الأمر يُراقبه السياسيون ورجال الدين المسيحي، فيرون بالحسابات والإحصائيات أنه خلال القليل من عشرات السنين ستتحول أوروبا -تلقائيًّا وبدون حرب- إلى قارةٍ مسلمة.
إضافة إلى ذلك ما يراه الغربيون وساستهم ورجال دينهم -خاصة- من ازدياد مظاهر الالتزام بالدين بين المسلمين؛ فصلاة الجمعة تُقام في بعض المساجد أكثر من مرَّة متتالية في المسجد نفسه بسبب كثرة الأعداد التي تُغلق الطرقات، كما يرون الحجاب ينتشر بين النساء والفتيات المسلمات؛ بما يُثير الفضول لدى الأوروبيات لمعرفة سرِّ التمسك بأحكام الإسلام، التي يرون أنها تُضَيِّق عليهن؛ وهذا يفتح باب المناقشات مع المسلمات؛ مما يفتح الباب لمعرفة الأوروبيات بالإسلام أكثر.
ومما يزيد الأمر اشتعالًا -ويُعَدُّ مؤشرًا خطيرًا بالنسبة إليهم- أن كثيرًا من المساجد هناك كانت في أصلها كنائس؛ باعها المسيحيون نتيجة هجران المسيحيين لها واشتراها المسلمون؛ مما يدفع القيادات الكنسية المختلفة الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية إلى التعاون أحيانًا متجاوزين تكفيرهم لبعضهم؛ ليتعاونوا في وجه المسلمين، وبيع الكنائس لبعضهم؛ لكي يحرموا المسلمين من شرائها وتحويلها إلى مساجد؛ فقد أذهلهم النمو المتسارع لبناء المساجد في أوروبا؛ ففي عام 1970م كان في إيطاليا -مقر الفاتيكان معقل الكاثوليكية في العالم- مسجدٌ واحد أو اثنان على الأكثر، أما الآن ففي إيطاليا سبعمائة مسجد، وهذا النمو الكثيف للمسلمين يُثير انزعاجهم وقلقهم الشديد.
2- انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م
فالغرب يرى في فلسفته أن الإنسان لكي يُبدع ويتطوَّر لا بد له من منافس، وإذا كان وحده هو المنتج المفكِّر فلن يكون هناك دافع للمنافسة؛ ولأن هناك طبيعة عدوانية شريرة تسري في دماء الساسة الغربيين ورجال الدين؛ فهم جعلوا المطلوب عدوًّا وليس منافسًا، وكان العدو المقترح بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو الإسلام!
والمشكلة لدى الشعوب الغربية والشعب الأمريكي خاصة أنه لا يقرأ ولا يهتم بمتابعة الأمور السياسية الخارجية؛ فأمور حياته الشخصية وأسعار السلع والعروض الترويجية هي الأهم بالنسبة إليه، أما الاهتمامات السياسية فتتراجع إلى مرتبةٍ متأخِّرة في حياته؛ لذا فما يقوله السياسيون للشعب -من أن هناك خطرًا أخضر هو الإسلام بعد سقوط الخطر الأحمر الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفيتي- يُصبح حقيقة مسلَّمة لدى عوام الشعب.
3- أصحاب المصالح
إن لدى هؤلاء مصلحة أكيدة وكبيرة في تشويه صورة المسلمين، وتضخيم الخوف منهم، وتصويرهم كعدوٍّ خطير في أعين الشعوب الغربية المسيحية؛ وأخطر أصحاب المصالح هم السياسيون والعسكريون؛ فبعد انهيار الشيوعية وتفكُّك الاتحاد السوفيتي لم تَعُدْ هناك ضرورة لوجود حلف الناتو (الأطلنطي)، وبالتالي وجب حلُّه، والاستغناء عن الأسلحة الكثيرة، وتوقف عجلة الإنتاج في المصانع العسكرية الغربية، وبالتالي تسريح عشرات الآلاف من العمال، وخسارة مئات أو آلاف المليارات من الدولارات.
وهذا ما قاله مسئول فرنسي كبير في التسعينيات هو جاك بومل؛ لذا عمد أصحاب المصالح إلى تضخيم قوة المسلمين مع تصويرهم كعدوٍّ مخيف من أجل إبقاء الحلف، وبالتالي لزم اصطناع حروب تستهلك الأسلحة، وتفتح الباب للأموال القادمة من خزائن الدول الأخرى ثمنًا للسلاح، وثمنًا لمساعدة الغرب العسكرية لها.
كما يُستخدم ذلك الأمر في خدمة أهداف سياسية؛ فتضخيم صورة حركة حماس -مثلًا- وإعطاؤها صورة إعلامية أكبر من قدراتها العسكرية الفعلية، يهدف إلى تخويف المواطن الغربي بما يسمح للحكومات لتبسط يدها بالمنح والمساعدات المادية والعسكرية للكيان الصهيوني، التي يراها المواطن الغربي حامية له من العدو المسلم الممثل في حركة حماس الإرهابية، كما صوَّروها له.
4- الفجوة الاقتصادية الكبيرة بين الغرب والعالم الإسلامي
وبالفطرة الطبيعية عندما تكون هناك فروق ضخمة في الدخول ومستوى الحياة تثور المشاكل بين الفقير والغني؛ فمتوسط الدخل السنوي للفرد في النرويج -مثلًا- 42000 دولار، بينما في اليمن 1000 دولار، ومن هنا ينظر الغني إلى الفقير بقلق وسوء ظن، وأنه يريد أن يهجم عليه ليستولي على أمواله، ويرى براهين ذلك في موجات الهجرة غير الشرعية التي تفد على شواطئهم، وتملأ شوارعهم، وتُثير لهم المشكلات.
5- تزايد المسلمين في الدول الغربية
وإضافةً إلى ذلك فإن كثرة المواليد المسلمين في البلاد الغربية مقارنة بندرة المواليد بين الغربيين أنفسهم لأنهم لا يُقبلون على الزواج أساسًا؛ مما يُهَدِّد التركيبة السكانية المسيحية الأوروبية؛ فالإحصائيات الغربية الرسمية تقول: إن نسبة المسلمين في أوروبا كلها تبلغ 5%، ومن المتوقَّع أن تصل عام 2050م إلى 20%.
فإذا علمنا أن الدين الإسلامي هو أكثر الأديان نموًّا في العالم، وأن هناك أعدادًا ضخمة من الغربيين تدخل الإسلام كل عام؛ حتى إن دولة كفرنسا الكاثوليكية ذات التاريخ الصليبي العدائي ضد الإسلام والمسلمين لو ظلَّت نسب الزيادة بين المسلمين وغير المسلمين ثابتة؛ فإن نسبة المسلمين عام 2060م ستتجاوز 50%؛ مما يجعلهم أغلبية.
6- الانحرافات السلوكية لدى بعض المسلمين في أوروبا
فهم يرون المسلمين يأتون بطرق غير شرعية في كثيرٍ من الأحيان، وهذه جريمة ومخالفة، وأكثر من ذلك أنهم يرون نسبة المسلمين لديهم داخل السجون أضعاف نسبتهم في المجتمع، وهؤلاء مسجونون في جرائم جنائية كالمخدرات والدعارة والهجرة غير الشرعية؛ مما يُعطي صورة مشوَّهة عن المسلمين عمومًا في نظر الإنسان الغربي غير المسلم.
7- وجود بعض الأفكار المتطرفة لدى بعض الشباب المسلم
وهنا ينسب الغرب هذه الأفكار لا إلى هؤلاء الشباب وإنما إلى المسلمين عمومًا ثم إلى الإسلام نفسه، وهم غير معذورين في هذه النسبة؛ ذلك لأنهم عندما يجدون نزعات تطرُّف من مجموعات من دين آخر -مسيحي أو يهودي- فإنهم لا ينسبونها إلى دينهم، وإنما ينسبونها لعرقهم أو جنسيتهم؛ أي إنهم مغرضون في فعلتهم هذه، ولكن جماهير الشعوب عندهم أحيانًا تُخدَع بهذه الأفعال؛ فترى الإسلام دين التطرف والإرهاب، وأن المسلمين -في حقيقتهم- خطر على العالم.
8- النمو السكاني الكبير
حيث ينمو عدد المسلمين بسرعة بالنسبة لغيرهم الذين يعيشون حياة إباحية ولا يفضلون الزواج؛ لذا فقد زاد عدد المسلمين في العالم من 800 مليون سنة 1980م إلى 1429 مليونًا في سنة 2000م، ثم زاد إلى 1570 مليونًا سنة 2011م، ومن المتوقع أنه عام 2025م -إن شاء الله- سيصل عدد المسلمين إلى 2500 مليون -أي: 2.5 مليار-، بينما سيبلغ عدد المسيحيين بكل طوائفهم ومللهم مليارين فقط، وستُصبح تلك أول مرَّة في التاريخ يزيد فيها عدد المسلمين على أعداد غيرهم.
هذا النمو السكاني يُثير فزعهم؛ حيث يخشون من سيطرة المسلمين على العالم بقوَّة العدد.
9- التاريخ العدائي الكبير بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي
على مدى قرون جرت معارك طويلة بين المسلمين والمسيحيين في الشرق والغرب، وحدثت فيها فتوح إسلامية ثم احتلال غربي لبلاد الإسلام، ومجازر رهيبة ارتكبها المسيحيون في الحروب الصليبية، ثم في الاحتلال المعاصر في القرن العشرين، وإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة، ثم احتلال العراق وأفغانستان.
10- التنظير للعِداء
فقد قام الغرب بالتنظير لحالة العِداء هذه؛ فقام فرانسيس فوكوياما بنشر كتابه (نهاية التاريخ)، يقول فيه: (إن الرأسمالية الحالية المسيطرة على العالم هي أفضل وأكمل نموذج لحياة البشر، وهي المحطة النهائية في مسيرة التاريخ؛ لذا يجب التخلُّص من أصحاب الأفكار والنظريات الأخرى كالإسلام).
ومن بعده نشر صمويل هنتنجتون كتابه: (صدام الحضارات)، يذكر فيه أن الأصل في التعامل بين البشر هو الصراع والصدام، وذلك رغم أن الله تعالى بيَّن لنا في القرآن أن الأصل في التعامل مع الآخرين هو التعارف “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…” (الحجرات:13).
وأكثر من ذلك قام فوكوياما بتوجيه رسالة إلى الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت -كلينتون- يدعوه للقضاء على المسلمين، ولمّا لم يستجب لذلك أعاد توجيه الرسالة للرئيس بوش الابن، ومن بعدها بدأت الحروب الأمريكية ضد المسلمين.
والمشكلة الكبرى في ذلك التنظير المسموم -كمقالات فوكوياما وهنتنجتون- أنه يُنْشَر في المجلة الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، والتي يطَّلع عليها رجال الإدارة الأمريكية والسفراء وغيرهم، وتُشَكِّل عقولهم وأفكارهم.
أما عن سؤال كيف يمكن تغيير تلك الصورة السلبية لدى الشعوب الغربية عن المسلمين؟
فيمكننا أن نفعل ذلك من خلال التعريف بالحقيقة وبالإسلام؛ عبر ما نستطيع استخدامه من وسائل الإعلام؛ فشبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي -كالفيس بوك وتويتر- تُعتبَر وسيلة مُثلى للتعريف بالإسلام دينًا وحضارة.
وقد كنتُ أُلقي محاضرة في اليابان عن تاريخ الحضارة الإسلامية وشهادة المنصفين من العلماء الغربيين بذلك، وكان يحضرها عدد من اليابانيين وأحد أفراد السفارة الأمريكية باليابان، وبعد المحاضرة فوجئت بذلك الدبلوماسي الأمريكي يتقدَّم مني ويصافحني قائلًا: (بالنيابة عن الشعب الأمريكي أعتذر لكم عما فعلته الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي؛ فنحن ضحية للإعلام الأمريكي الذي صوَّر لنا المسلمين كمتوحشين).
وعلينا -أيضًا- أن نُبَيِّن للغربيين مدى ما فعله الغرب بنا من جرائم إنسانية، ليس بالحروب والقتل والتشريد والاحتلال فقط، بل على المستوى الحضاري أيضًا؛ فأحد الرحالة الألمان دخل الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي لها عام 1830م، فقال: (إنني قلما قابلتُ رجلًا أو امرأة في الجزائر لا يكتب أو يقرأ).
ثم دخل الفرنسيون الجزائر عام 1830م وخرجوا عام 1960م بعد مائة وثلاثين عامًا ونسبة التعليم في الجزائر 5% فقط، والأمية 95%؛ هذا فضلًا عن مليون وخمسمائة ألف شهيد مسلم قتله الفرنسيون، هذا ما فعله الغرب بنا بينما المسلمون في الأندلس منذ أكثر من ألف سنة كانت لديهم نسبة الأمية صفرًا.
كما أن علينا أن نمارس الإسلام في حياتنا اليومية وفي شوارعنا من حيث النظافة والذوق وحُسن التعامل؛ فيرانا غير المسلم فيعرف قيمة الإسلام وتقدمه وروعته.
(و على كل مسلم جديد أو وافد أو زائر لتلك الدول أن يُظهر قيم الإسلام السمحة الراقية الوسطية المعتدلة المتزنة، ويبتعد في تعاملاته مع غير المسلمين من أبناء تلك الدول عن التشدد والتمسك بأمور ليست نابعة من الدين بقدر ما نبعت من ثقافات الدول والشعوب المسلمة المتنوعة.. والتي ربما لا تتناسب مع عادات وثقافات الشعوب الغربية.. على كل مسلم جديد ألا يتقوقع على ذاته وينغلق على مجتمعه الإسلامي الجديد وينقطع عن عالمه القديم تماما بشكل مفاجئ غير متدرج.. فمن شأن ذلك أن يشعره بالعزلة ويُشعر من حوله بخطورة هذا الدين القاسي الذي انتزع منهم الابن أو الزوج أو الصديق ولم يكتفِ بذلك بل دفعه لأن يناصبهم العداء… علينا أن ندرك أن مهمة إصلاح العلاقات الإنسانية ما بين الشرق والغرب تقع على عاتق كل مسلم.. وأن الغرب إذا لم يعترف بجُرمه وأسباب تأزم العلاقة فعلينا أن نعترف نحن بأدوارنا ونمارسها على الوجه الأكمل.)[1]
الهامش:
[1] – إضافة المحررة.
—————————————
المصدر: موقع طريق الإسلام