هكذا يجب أن نستقبل المسلمين الجدد

تاريخ النشر الأصلي 2020-02-08 01:01:54.

شريف السليماني

رغم محاولات تشويه صورة الإسلام من قبل البعض، ورغم ما يعانيه واقع المسلمين من مظاهر الضعف والانحطاط على مختلف المستويات، إلا أن أعدادا كبيرة من الناس تعتنق الإسلام، وخاصة في الغرب. والغريب أن يكون من ضمن هؤلاء المسلمين الجدد أناس كانوا يعتبرون من أشد أعداء الإسلام، كحالة “يورن فان كلافرن ” Joran van Klaveren و”أرنود فان دورن” Arnoud van Doorn  اللذين كانا قياديين في الحزب اليميني الهولندي المتطرف بقيادة خيرت فيلدرز، المعروف بمواقفه المعادية للإسلام والمسلمين.

استقبال المسلمين الجدد

علينا التوازن في استقبال المسلمين الجدد

تتّسم ردّات فعل باقي المسلمين على أخبار اعتناق أناس جدد للإسلام بالإيجابية في الغالب، إذ ترى الفرحة تعلو وجوه الحاضرين وقد اهتز المسجد لأصوات تكبيرهم كلما أعلن مسلم جديد نطقه بالشهادة. فرحة المسلم بدخول أناس جدد في الإسلام فرحة مشروعة، بل ومطلوبة، إذ من كمال الإيمان أن يحب المرء لغيره ما يحب لنفسه. والذي يحمد الله على نعمة الإيمان والإسلام لنفسه ويعرف قدر هذه النعمة وفضلها عليه، لا بد أن يتمنى بلوغ هذه النعمة غيره، وأن يسعى من أجل ذلك ويفرح متى تحقق، وخاصة إذا تعلق الأمر بشخص كان من أشد المهاجمين للإسلام فإذا به يتحول إلى مدافع عنه وداعية إليه، كحالة فان كلافرن وفان دورن.

ورغم هذا التفاعل الإيجابي من هذه الناحية إلا أنني ألاحظ أن الكيفية التي يتعامل بها باقي المسلمين مع هؤلاء المسلمين الجدد، وخاصة في الغرب، تحتاج إلى تقييم وتقويم، إذ أرى أن هناك إفراطا في بعض جوانب التعامل معهم، وتفريطا في بعض الجوانب الأخرى.

تفاديا للإجحاف وتحقيقا للإنصاف في كيفية التعامل مع إخواننا الجدد في الدين، أرى أنه من الأهمية بمكان أخذ النقط التالية بعين الاعتبار:

أولا- ليس من حقنا إعلان إسلام أحد والترويج له -عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثلا- دون علمه وإذنه؛ فقد تكون لدى الشخص ظروف خاصة وقد يلحقه الأذى والحرج جراء هذا الأمر. والذي أراه -مع الأسف- أن الكثيرين يأخذون صورا أو فيديوهات لأناس أثناء نطقهم بالشهادة ثم ينشرونها على صفحاتهم ويرسلونها إلى الغير دون استئذان المعني بالأمر، وهذا فيه تعدّ على خصوصية الغير وجب التنبيه إليه.

وقد أسلم ولله الحمد العشرات في المسجد الذي كنت أخطب به ونطقوا بالشهادة، وما زالت تربطني بالكثير منهم علاقات طيبة، ولم أجرؤ يوما على فعل هذا، إلا في مرة واحدة عندما طلب الشخص نفسه ذلك. لا أشك في حسن نوايا من يقومون بهذا، لكن عليهم أن يعلموا أن الأمر يتعلق بحق الفرد، وهو الذي يجب أن يقرر فيه؛ هذا إذا كان هذا الأمر بحسن نية، أما إذا كان بسوء نية، كاستغلال الحدث من أجل مصالح شخصية قد تكون مادية أو معنوية، فهذه خسة ونذالة.

ثانيا- لا يجوز لنا التشكيك في نوايا المسلمين الجدد واتهامهم بعدم الصدق في الدخول في الإسلام بدون أدلة مادية تثبت عكس ما يدّعون؛ فالإسلام علاقة بين العبد وربه قبل كل شيء. ومن تكون أنت أو من أكون أنا حتى ننصّب أنفسنا قضاة نفتش في نوايا الناس؟ علينا أن نقبل ظواهرهم وندع الباقي بينهم وبين الله. فالأقدمية في الإسلام لا تعني أبدا حق “حراسة المعبد” والوصاية على الغير. وقد يكون اللاحق أقرب إلى الله من السابق. فالعبرة بصدق النية وحسن العمل وليست بالأقدمية. والتعميم والأحكام المسبقة سبيل المبطلين.

ثالثا- نعم، عند الزواج أو المعاملات التي تتعلق بحقوق الآخرين لا بد من التأكد بكيفية عادلة تراعي حقوق وكرامة الطرفين. والذي عليه التحقق والتأكد من صدق الإسلام هو صاحب (ة) الشأن نفسه الذي سيدخل في علاقة مع هذا الشخص باعتباره مسلما، ليضع خطواته على بصيرة وحتى لا يقع في الغرر!.

رابعا- المسلمون الجدد بشر مثلنا يعتريهم من الضعف ما يعترينا، منهم قوي الإيمان ومنهم ضعيفه ومنهم المذبذب، وقد يوجد حتى المنافق، تتفاوت زياراتهم للمساجد ويتفاوت التزامهم بالشعائر التعبدية؛ وليس من العدل أن ننتظر منهم أكثر مما ننتظره من أنفسنا نحن الذين ولدنا مسلمين أو نلزمهم بما لا نستطيع نحن الالتزام به؛ فضعف الارتباط بالمسجد أو عدمه مثلا، لا يعني بالضرورة الردة عن الإسلام، فكم من المسلمين بالولادة لا يزورون المساجد إلا في الأعياد وربما لا يزورونها بالمرة! وقد يعلن شخص إسلامه لكنه لا يزور المسجد بعد ذلك لظروف يعلمها الله؛ وهذا لا يعني أنه لم يعد مسلما وألا أثر لأصل الإيمان في قلبه.

خامسا- واجبنا نحو هؤلاء المسلمين الجدد هو أن نوفر لهم القدوة الحسنة والزاد المعرفي الكافي الذي يراعي لغتهم ومحيطهم وأحوالهم، ونوفر لهم كذلك الدفء الاجتماعي الذي يفقده الكثيرون منهم بعد اعتناقهم الإسلام، إذ تنحصر وتضيق علاقات القرابة والعلاقات الأسرية وربما تنقطع بالمرة وكذلك الصداقات؛ والمفروض أن نحتويهم ونحتضنهم ليجدوا فينا الصديق والقريب الذي تخلى عنهم أو تخلوا عنه بعد إسلامهم، وهذا ما لا نفعله مع الأسف في غالب الأحيان؛ وقد يكون هذا من أسباب ضعف ارتباطهم بالمسجد.

سادسا- الاحتضان والترحيب لا يعني بالضرورة أن نرفع المسلم الجديد فوق قدره، كأن نوليه مسؤوليات أكبر من كفاءته وإمكانياته، فقط لأنه مسلم جديد! وهذا، حتى لا نوقعه في الحرج، ولا نقع نحن أيضا في الحرج معه لا قدر الله. وأرى أن هذه المسؤوليات الكبرى كتمثيل المسلمين في الغرب والنطق باسمهم مثلا، تقتضي التريث والتثبت كثيرا قبل إسنادها لأي كان؛ لأن عواقب الخطأ فيها لا تقتصر على الشخص المخطئ، بل قد يضر الخطأ فيها بمصالح الإسلام والمسلمين. ولله در عمر القائل لمن زكى شخصا ورشحه لحمل المسؤولية: “هل عاشرته في سفر؟ قال: لا، هل عاشرته في تجارة؟ قال: لا، فقال عمر: فأنت لا تعرف الرجل إذا”.

سابعا- علينا أن نتصف بالحكمة والحيطة عندما نتحدث عن أعداد الذين يعتنقون الإسلام في الغرب. فالذي ألاحظه أنه يتم النفخ في هذه الأعداد وتضخيمها بدافع العواطف والنيات الحسنة التي ترى في كثرة وتكثير هذه الأعداد دليلا على عظمة الإسلام. لكن، لا ننسى أن هناك تبعات سلبية أيضا لتضخيم هذه الأعداد، حيث يستعملها اليمين المتطرف للتخويف من الإسلام ومن تناميه والترويج بأن أوروبا ستصبح مسلمة بعد كذا وكذا من السنين إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من تنامي الإسلام، وهذا من شأنه أن يزيد من منسوب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. فلنحذر عندما نتحدث عن هذه الأعداد ولنتثبت ولنراعِ مآلات الحديث!.

ثامنا: إسلام أشخاص كانوا يعتبرون أعداء للإسلام حدث يجب أن نقف عنده كثيرا، ونتساءل: ما الذي جعلهم يعادون من قبل؟ وما الذي جعلهم يسلمون من بعد؟ بل إن هذا الحدث يجعلنا في الحقيقة نعيد النظر في مفهوم العداوة للإسلام. فالكثيرون لم يكونوا أعداء للإسلام في الحقيقة، وإنما كانوا أعداء لتلك الصورة والنسخة المشوهة التي وصلتهم عن الإسلام، فلما اكتشفوا أن تلك النسخة التي كانوا يعادونها لا تمثل الإسلام الحق اعتنقوه! لذا علينا قبل أن نحكم على شخص أو مجموعة بأنهم أعداء للإسلام ونعاملهم على هذا الأساس، علينا أن نتساءل أولا: أي إسلام يعادون؟ ونحاول بالمقابل أن نقدم لهم الصورة التي نحملها نحن عن الإسلام؛ فربما تكون المسافة بيننا وبينهم أقل مما نتصور، بل ربما تنقلب العداوة مودة عندما يكتشفون أن الإسلام الذي نؤمن به شيء والذي يعادونه شيء آخر.

يقول الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الممتحنة: 7)، ويقول جل من قائل: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34).

* مأخوذ بتصرف من جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية.

مواضيع ذات صلة