تاريخ النشر الأصلي 2018-06-25 17:08:43.
عملت جوان سنتين في صالون نسائي في منطقة الرياض بالسعودية ومن خلال معايشتها وتعاملها مع الأسرة التي تعمل لديها عرفت الكثير عن الإسلام…
وكان صاحب المنزل قد أعطاها كتاباً باللغة الانكليزية يتحدث عن الإسلام ولكنها لم تهتم به، وقالت في نفسها: إنه يريد مني أن أسلم وأنا لن أقرأ الكتاب ولن أسلم!!
وذات مرة ذهبت مع العائلة الى جدة لأداء العمرة، ورأت الجميع يغتسلون ويلبسون ملابس الاحرام ورأت النساء يلبسن العباءات، ولأنها تعرف أن لهذه الرحلة هدفاً دينياً، فقد شعرت بخوف غامض من هذه الرحلة، وكانت تتساءل: هل سيرغمونني على الإسلام؟ وظل ذلك الهاجس معها حتى سمعت صاحب العائلة يقول: ان الخدم المسلمين سيدخلون مكة، والباقين يظلون في جدة حتى نرجع.
أخذت جوان نفساً عميقاً وارتاحت وظلت في الشقة أسبوعين يرجع أفراد من العائلة ليستقروا فيها ويخرج آخرون يؤدون العمرة وهكذا، سمعت جوان الأذان مرات كثيرة، وكثيراً ما كانت تتابع وضوء أفراد العائلة وصلاتهم فتستغرب من هذا الدين!!
بداية الطريق إلى الإسلام
بعد العودة الى الرياض دخلت جوان غرفتها.. وكان الكتاب الذي أعطاها اياه صاحب البيت لا يزال موجوداً نظرت اليه بفضول ممزوج بالريبة والتخوف، فتحته وبدأت تقرأ.. كانت الحقائق تتكشف أمامها كلما تجاوزت صفحة الى أخرى، وظلت تقرأ وتقرأ… أحست براحة وطمأنينة تتسرب الى قلبها وأحست بعقلها ينقاد لتلك الحجج المنطقية والحقائق الساطعة عن هذا الدين العظيم وشعرت أنها على وشك أن تدخل عالماً جديداً مليئاً بالنور والصدق.
رجعت جوان الى الفلبين بعد عملها في السعودية وقد تغيرت لديها مفاهيم كثيرة، وثارت في فكرها أسئلة عديدة.
وبدأت تقارن بين كل شيء في حياتها هنا وما رأته في رحلتها وإقامتها في أرض المسلمين، وتوقفت عند طبيعة عملها!
هناك كانت تعمل في صالون نسائي لا يدخله الرجال! أما في الفلبين فصالونات مختلطة رجالاً ونساء.
إنها لم تعد تحتمل… كيف أتعامل مع رجال.. لا… لا أستطيع ذلك… لا تساعدني يدي على ملامسة الرجال. وهكذا كان العمل هو أولى محطات التغيير في حياة تلك الفيليبينية العنيدة.
في عام 1991 جاءت جوان إلى الكويت وعملت في صالون نسائي، كانت صاحبته تضع شرائط قرآن، ورأت جوان كيف يترك الزبائن من النساء كل الأعمال عندما يرتفع صوت المؤذن (الله أكبر الله أكبر…) وكانت جوان تستغرب وتحاول أن تفهم فتسأل الواحدة منهن معاتبة: أنا لم أنته من عملي لك بعد.. كيف تتركينني وتذهبين؟ فتجيب صاحبة العمل: سأرجع بعد دقائق، ثم تذهب للصلاة، وتعود إليها تشع طمأنينة وراحة، تكرر هذا المشهد وذلك الحوار أكثر من مرة، وترك أثره في نفس جوان وقررت أن تزيد من تعرفها على هذا الدين.
إسلام جوان
عن طريق بعض زبائن الصالون، حصلت جوان على كتب من لجنة التعريف بالإسلام، ولم يطل الأمر كثيراً فقد تشرب عقل ووجدان جوان بعظمة وسمو هذا الدين وذات يوم مبارك قررت جوان أن ترتدي العباءة والحجاب وأن تتوجه الى مسجد الملا صالح مقر (التعريف بالإسلام)، كانت رهبة الإقدام على أمر عظيم كهذا تبدو واضحة في خطوات ونظرات جوان، وعند مدخل اللجنة، ازداد ارتباك جوان كونها لم تر أي امرأة تدخل أو تخرج بل كان كل الموجودين رجالاً، رجال يدخلون ورجال يخرجون.
وهي في ذروة ترددها وحيرتها كانت تسأل نفسها: هل أدخل أم أقف أم أرجع…؟ وكأن صوتاً داخلياً كان يهتف بها: ادخلي واسألي، لقد اقتربت مما تبحثين عنه فلا تتراجعي!. دخلت جوان مسجد الملا صالح وفي مشهد مؤثر وبمزيج من اللهفة والفرح والرهبة، أشهرت جوان إسلامها، وهي تنطق الشهادتين، كانت تتلألأ على وجنتيها قطرات من الدموع قليلة ولكنها كانت لتغسلها من درن سنوات من الشرك وعمر من الضياع!
تخلت جوان عن كل ما يربطها بحقبة الظلام حتى أن إحساسها بالفرق الشاسع بين الماضي والحاضر جعلها تغير اسمها وكأنها ولدت اليوم واليوم فقط!
(جواهر) هي بطلة الأحداث المقبلة وليست (جوان)!
في مسجد الملا صالح تم ارسال جوان الى اللجنة النسائية في الروضة لتبدأ مشوارها بتعلم ما تحتاجه من أحكام وتشريعات وأخلاق هذا الدين الجديد.
وفي مقر لجنة التعريف بالروضة تعلمت (جواهر) سورة (الفاتحة) وكانت ترددها طول النهار وتضعها تحت وسادتها عند النوم، وطلبت منها إحدى الاخوات أن تحاول حفظ سورة قصيرة هي (الإخلاص).
وفي اليوم التالي فوجئت صاحبة الصالون بجواهر وهي تقول: أريد أن تعلميني سورة الاخلاص، لكنها لم تلق إليها بالا، وأعرضت عنها، تحسبها مازحة، ولكن جواهر كررت الطلب بصوت أرفع من الأول: أريد أن تعلميني سورة الاخلاص، ولم تجبها أيضاً، إلى أن صرخت جواهر بنبرة أكثر قوة وجدية: أريدك أن تعلميني سورة الاخلاص وهنا شعرت صاحبة الصالون أن في الأمر شيئاً جديداً، وسألتها هل أنت مسلمة؟ قال: نعم ذهبت الى مسجد الملا صالح وأسلمت، فقامت اليها وضمتها إليها، كان عناقاً جديداً ملؤه الأخوة والمودة والفرحة الصادقة.
صلاة التراويح
جاء رمضان، وكشأن أي مسلمة فقد صامت جواهر، وذهبت للمرة الأولى إلى صلاة التراويح، واستراحت لمشهد النساء يلبسن ملابس – تقريباً – موحدة ويقفن في صف واحد بلا حركة ولا حديث ولا التفات.
سألتها إحدى الحاضرات عما إذا كانت تريد أن تصلي؟ فأومأت بالإيجاب، قالت: تعالي قفي معي، وافعلي مثل ما أفعل.
وقفت مع النساء في صف مستوٍ وبدأت الصلاة، كانت لا تلتفت إلا أن عيونها كانت تتحرك يمنة ويسرة، وفي الركوع كانت قطرات الدمع الأولى تنزل، ترى ما سر ذلك؟ – فمع أن جواهر لا تفهم كلمة واحدة من القراءة – تقول: ما انتهيت من صلاة التراويح إلا وثيابي كلها مبللة بدموعي، في صلاتي كلها، وقوفي وركوعي وسجودي، كنت أذرف الدموع مع انني لا أدري ماذا يقول الإمام!).. يالروعة وجلال هذا الدين وشعائره.
وتعلق جواهر – في معرض حديثها عن الصلاة – على الفرق بين الصلاة عند المسلمين والصلاة عند المسيحيين فتقول: «في المسيحية يدخل الرجال والنساء معاً كل يتفحص الآخر بنظراته، وكل يحدث نفسه: هذا الرجل وسيم، وهذه المرأة جميلة، وذلك الثوب أنيق وحذاء تلك المرأة غال… وهكذا، هذا بالإضافة للزخارف والرسومات والتماثيل التي تعج بها الكنيسة فتشتت ذهن وفكر من يريد الصلاة. أما المسجد فليس فيه شيء يشغل المسلم عن صلاته ومناجاة خالقه.
وتستطرد قائلة: ثم إن داخل الكنيسة صوراً وتماثيل للسيدة مريم وابنها عيسى عليهما السلام والناس يتمسحون بهذه التماثيل بنية التبرك ويمسحون على وجوههم وأجسامهم، وقد عرفت الآن أن هذا شرك وأنه لا يجوز التمسح بهذه الحجارة التي صنعها الإنسان فأقصى مراتبها أن تعتبر تحفة فنية توضع في المتاحف لتدل على آثار حقبة من الزمن.
______________________________________
المصدر: جريدة الراي الكويتية