تاريخ النشر الأصلي 2019-09-29 13:10:02.
إعداد / فريق التحرير
اليوم الآخر هو يوم القيامة الذي يُبْعثُ الناس فيـه؛ للحساب، والجزاء. وسُمِّي بذلك؛ لأنه لا يوم بعده، حيث يستقرُ أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.
و الإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور:
الأول: الإيمان بالبعث
وهو إحياء الموتى حين ينفخُ في الصور النفخة الثانية؛ فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة غيرَ منتعلين، عراة غيرَ مستترين، غُرلاً غيرَ مختتنين، قال الله تعالى: “كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنـَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” (الأنبياء: 104).
والبعث: حقٌّ ثابت، دلَّ عليه الكتابُ، و السُّنَّةُ، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: “ثـُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثـُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ” (المؤمنون: 15،16).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً). صحيح مسلم.
وأجمع المسلمون على ثبوته، وهو مقتضى الحكمة، حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معادًا، يجازيهم فيه على ما شرعه لهم فيما بعث به رسله، قال الله تعالى: “أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ” (المؤمنون:115) وقال لنبـِـيـِّه صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الَّــذِي فَــرَضَ عَلَيْــكَ الْقُـرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ” (القصص:85).
الثاني: مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالحساب والجزاء
يحاسَبُ العبد على عمله، ويجازى عليه، وقد دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى: “إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ *ثـُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ” (الغاشية: 25،26) وقال تعالى: “مَن جَاء بـِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بـِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ” (الأنعام:160) وقال تعالى: “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بـِهَا وَكَفَى بـِنَا حَاسبـِـينَ” (الأنبياء:47).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهم- أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن اللهَ يُدْنِي المؤمنَ، فيَضَعُ عليه كنفَه ويَسْتُرُه، فيقولُ: أتَعْرِفُ ذنبَ كذا: أَتَعْرِفُ ذنبَ كذا؟ فيقول: نعم. أَيْ ربِّ، حتى إذا قرَرَّه بذنوبِه، ورأى في نفسِه أنه هلَكَ، قال: ستَرْتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم، فيُعْطَى كتابُ حسناتِه. وأما الكافرُ والمنافقُ، فيقولُ الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين).البخاري.
الثالث مما يتضمنه الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالجنة والنار وأنهما المآل الأبدي للخلق.
فالجنة: دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهم الإيمان به، وقاموا بطاعة الله ورسوله، مخلصين لله، مُتَّبـِعِـين لرسوله، فيها من أنواع النعيم (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، قال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ” (البينة:7،8) وقال تعالى: “فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بـِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (السجدة:17).
وأما النار: فهي دار العذاب التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين، الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب، والنـَّـكال ما لا يخطر على البال قال الله تعالى: “وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ” (آل عمران:131)، وقال تعالى: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بـِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بـِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بـِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا” (الكهف:29)، وقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجـِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا” (الأحزاب:64-66).
و للإيمان باليوم الآخر ثمراتٌ جليلة منها:
الأولى: الرغبة في فعل الطاعة، والحرص عليها؛ رجاء لثواب ذلك اليوم.
الثانية: الرهبة من فعل المعصية، ومـن الرضـى بها؛ خوفـًا من عقاب ذلك اليوم.
الثالثة: تسلية المؤمن عمَّا يفوته من الدنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة، وثوابها.
وقد أنكر الكافرون البعث بعد الموت؛ زاعمين أن ذلك غير ممكن.
وهذا الزعم باطل، دلَّ على بطلانه الشرع، والحس، و العقل.
أما الشرع: فقد قال الله تعالى: “زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثـُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بـِمَا عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (التغابن:7). وقد اتفقت جميع الكتب السماوية عليه.
وأما الحس: فقد أرى الله عباده إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفي سورة البقرة، خمسة أمثلة على ذلك، هي:
المثال الأول: قوم موسى حين قالوا له: “لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً” (البقرة:55) فأماتهم الله تعالى، ثم أحياهم وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبـًا بني إسرائيل: “وَإِذ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ*ثـُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (البقرة:55، 56).
المثال الثاني: في قصة القتيل الذي اختصم فيه بنو إسرائيل، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها؛ ليخبرهم بمن قتله، وفي ذلك يقول الله تعالى: “وَإِذ قَتَلْتُمْ نَفْسـًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ ببَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيي اللّهُ الْمَـوْتَى وَيُرِيكُـمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” (البقرة:72، 73).
فهذه أمثلة حسِّيَّة واقعة، تدل على إمكان إحياء الموتى، وقد سبقت الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى بن مريم في إحياء الموتى، وإخراجهم من قبورهم – بإذن الله تعالى -.
وأما دلالة العقل: فمن وجهين..
أحدهما: أن الله تعالى فاطر السموات، والأرض، وما فيهما، خالقهما ابتداء، والقادر على ابتداء الخلق، لا يعجز عن إعادته، قال الله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثـُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ” (الروم:27). وقال تعالى: “كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” (الأنبياء:104). وقال آمرًا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم:”قُلْ يُحْييهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ” (يس:79).
الثاني: أن الأرض تكون ميتة هامدة، ليس فيها شجرة خضـراء؛ فينزل عليها المطر؛ فتهتز خضراءَ حيـَّةً، فيها من كل زوج بهيج، والقادر على إحيائها بعد موتها، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (فصلت:39)، وقال تعالى: “وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكـًا فَأَنبَتْنَا بـِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ*وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ*رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بـِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ” (ق:9-11).
ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر:
الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:
(أ) فتنـة القبر: وهي سؤال الميـت بعد دفنـه عن ربه، ودينه، ونبيه؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم، ويضلُ الله الظالمين فيقول الكافر: هـاه، هاه، لا أدري، ويقـول المنافق أو المرتاب: لا أدري سمعت النـاس يقولون شيئـًا فقلته.
(ب) عذاب القبر ونعيمه: فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين، قال الله تعالى: “وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بـِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبـِرُونَ” (الأنعام:93).
وقال تعالى في آل فرعون: “النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ” (غافر:46).
وأما نعيم القبر؛ فللمؤمنين الصادقين قال الله تعـالى: “إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثـمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بـِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ” (فصلت:30).
وقال تعالى: “فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ” (الواقعة:83،89).
وعن البراء بن عازب –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: (ينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابـًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من رَوحها وطِـيبها، ويفسحُ له في قبره مدَّ بصره). [إسناده صحيح – مسند عمر للطبري 2/494].
وقد ضلَّ قوم من أهل الزَّيغ فأنكروا عذاب القبر، ونعيمه، زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفته الواقع، قالوا: فإنه لو كشف عن الميِّت في قبره؛ لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بـِسِعَةٍ، ولا ضِـيق.
وهذا الزعم باطل؛ بالشرع، والحس، و العقل:
أما الشرع: فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوت عذاب القبر، ونعيمه.
وفي صحيح البخاري – من حديث – ابن عباس–رضي الله عنه- قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة؛ فسمع صوت إنسانين يُعَذبَانِ في قبورهما) وذكر الحديث، وفيه: (أن أحدهما كان لا يستتر من البول) وفي رواية: (من بوله)، (وأن الآخر كان يمشي بالنميمة) وفي رواية لمسلم: (لا يستنزه من البول).
وأما الحس: فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج، يتنعم فيه، أو أنه كان في مكان ضيق موحش، يتألم منه، وربما يستيقظ أحيانـًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه، والنوم أخو الموت، ولهذا سماه الله تعالى: (وفاة) قال الله تعالى: “اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى” (الزمر:42).
وأما العقل: فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته، ومن رآه على صفته؛ فقد رآه حقًّا، ومع ذلك، فالنائم في حجرته على فراشه بعيدٌ عما رأى، فإذا كان هذا ممكنـًا في أحوال الدنيا؛ أفلا يكون ممكنـًا في أحوال الآخرة ؟!.