تاريخ النشر الأصلي 2017-04-23 10:14:53.
للدين قيم كبرى ومثلٌ ومقاصد عليا.. يهدف إلى تحقيقها ويسعى لنشرها بين الناس.. تعالوا نتعرف سويا على بعض منها في سياق السلسلة التالية…
إعداد/ فريق تحرير لجنة الدعوة الإلكترونية
يربي الإسلام أهله على مكارم الأخلاق، والقيم النبيلة، والمباديء الإنسانية وقد جاءت تلك القيم والمباديء والأخلاق في دستور الأمة الإسلامية (القرآن الكريم، وسنة نبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم (القولية والفعلية والتقريرية) قال تعالى: “… مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” (الأنعام:38)، “وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ…” (الحجر:21)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وقال (أدبني ربي فأحسن تأديبي).
والقيمـــة هي صفة في شئ تجعله موضع تقدير واحترام أي أن هذه الصفة تجعل ذلك الشيء مطلوباً ومرغوباً فيه، سواءً كانت الرغبة عند شخص واحد، أو عند مجموعة من الأشخاص. مثال ذلك إن للنَسَبِ عند الأشراف قيمة عالية، وللحكمة عند العٌلماء قيمة عظيمة، وللشجاعة عند الأمراء قيمة مرغوبة، ونحو ذلك.
من قيم الإسلام السامية:
أولاً: العدل
عندما تختفي أنوار العدل عن البشر، يغشاهم الهرج والمرج، ويتفشى الظلم بينهم بشكلٍ فظيع، حيث تجد القويّ يفتك بالضعيف، والقادر يسلب حق العاجز، والغالب يُريق دم المغلوب، والراعي يهضم حق المرعى، والكبير يقهر الصّغير، ولا يخرجهم من هذا الوضع المشين، إلاّ “العدل” سعادتهم، وقاعدة أمنهم واستقرارهم.
فما ه والعدل وما أنواعه، وما ثمرته، وكيف طبقّه المسلمون في حياتهم؟؟ تساؤلات تأتي الإجابة عنها في الفقرات الآتية:
1- مفهوم العدل:
المراد بالعدل: إعطاء كل ذي حق حقه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، من غير تفرقة بين المستحقين ولأهمية العدل ومنزلته، بعث الله رسله وأنزل كتبه، لنشره بين الأنام، قال تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ…” (الحديد:25).
والقسط: العدل، وهو قوام الدنيا والدين، وسبب صلاح العباد والبلاد، به قامت السموات والأرض، وتألفت به الضمائر والقلوب والتأمت به الأمم والشعوب، وشمل به الناس التناصف والتعاطف، وضمهم به التواصل والتجانس، وارتفع به التقاطع والتخالف.
2- أنواع العدل:
يمكن تقسيمه إلى أنواع باعتبارات مختلفة، منها:
أ – تقسيم العدل باعتبار زمانه ومكانه: والعدل بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين:
1- عدل في الدنيا: و يشمل الحياة البشرية كلها، منذ أن خلق الله آدم – عليه السلام – إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2- عدل في الآخرة: وهو الذي استأثر به الله تعالى يوم القيامة، إذ قد يفلت الظالم في الدنيا من سلطة الحكم العادل، الذي يرد عليه ظلمه، ويؤاخذه بذنبه، كما أن من التزم العدل في الدنيا، يتشوق إلى الأجر العظيم، الذي أعده الله له يوم القيامة مقابل التزامه وصبره وتحمله. وفي هذا وذاك، يقول الله تعالى: “وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا…” (الأنبياء:47).
ب- تقسيم العدل باعتبار عمومه وشموله:
والعدل بهذا الاعتبار يعمّ الإنسان والحيوان وسائر الكائنات. أما شموله للإنسان فتدّل عليه أدلة كثيرة، منها قوله تعالى: “… وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ…” (المائدة: 8).
وأما شموله للحيوان، فلأن الإنسان مأمور بعدم ظلمه وإيذائه، سواء كان بحبس أ وتجويع أ وتحميل له فوق طاقته أ وغير ذلك، وقد دخلت إمرأة النار في هرة، حبستها من غير أن تطعمها أ وتخلي سبيلها فتأكل من حشاش الأرض.
وأما شمول العدل لسائر الكائنات، فه وما نراه ونلحظه في حركة الكائنات التي تسبح في الأرض، أ والتي تسبح في الفضاء، فإنها تتحرك حركة عادلة، فمنها ما يلاحظ عدله في الحركة بين السرعة والبطء، كالليل والنّهار، والشمس والقمر، والنجوم والكواكب، لهذا قال الله تعالى: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” (يس:38).
3- ثمرة العدل:
إن المجتمع الذي يضمن نظامه العدل، لا بدّ أن يجني في حياته ثمرات عظيمة ومنافع كثيرة، نذكر منها ما يلي:
أ – العدل مشعر للناس بالاطمئنان والاستقرار، وحافز كبير لهم على الإقبال على العمل والإنتاج، فيترتب على ذلك: نماء العمران وإتساعه، وكثرة الخيرات وزيادة الأموال والأرزاق.
ب- أنه بغير العدل، يتحيّن الناس الفرصة، للثورة على الحكومة الظالمة، وخلع يد الطاعة عن أعناقهم، ذلك أن النفوس مجبولة على حبّ من أحسن إليها، وكره من أساء إليها، وليس هناك إساءة أشد من الظلم، وأفدح من الجور.
4- تطبيقات العدل في الإسلام:
طبّق المسلمون “العدل” في أعلى صوره، بدءاً برسول الله، الذي حكى عنه القرآن قوله: “…إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ…” (الكهف:110) فقد وضع نفسه في مصاف مرتبة البشر، ولم يحمله شرفه العظيم للامتياز عن الناس تبريراً لأخذ حقوقهم من غير وجه حق، بل كان نموذجاً رائعاً في إقامة العدل، حتى على نفسه الكريمة رغم كونه نبي الله ورسوله.
فقد رُوى أن أسيد بن خضير – رضي الله عنه – كان رجلاً صالحاً ضاحكاً مليحاً، فبينما هو عند رسول الله، يحدث القوم ويضحكهم، طعن رسول الله في خاصرته، فقال: أوجعتني. قال صلى الله عليه وسلم: “اقتص” قال: يا رسول الله إن عليك قميصاً، ولم يكن عليّ قميص. قال: فرفع رسول الله قميصه، فاحتضنه، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
ثانيًا: الحرية
جعل الإسلام “الحرية” حقا من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان بدون الحرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخليا”، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض.
قال تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…” (البقرة: 256) فنفي الإكراه في الدين، الذي هو أعز شيء يملكه الإنسان، للدلالة على نفيه فيما سواه وأن الإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه لا يفرض عليه أحد سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضيا غير مجبر، مختارا غير مكره.
1- مفهوم الحرية:
يقصد بالحرية: قدرة الإنسان على فعل الشيء أوتركه بإرادته الذاتية وهي ملكة خاصة يتمتع بها كل إنسان عاقل ويصدر بها أفعاله، بعيدا عن سيطرة الآخرين لأنه ليس مملوكا لأحد لا في نفسه ولا في بلده ولا في قومه ولا في أمته.
هل “الحرية” تعني الإطلاق من كل قيد ؟
لا يعني بطبيعة الحال، إقرار الإسلام للحرية، أنه أطلقها من كل قيد وضابط، لأن الحرية بهذا الشكل أقرب ما تكون إلى الفوضى، التي يثيرها الهوى والشهوة، ومن المعلوم أن الهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه، ولذلك منع من اتباعه، والإسلام ينظر إلى الإنسان على أنه مدني بطبعه، وتتمثل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي:
أ- ألا تؤدي حرية الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العام وتقويض أركانه
ب- ألا تفوت حقوقا أعم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتهافي ذاتها ورتبتها ونتائجها
ج – ألا تؤدي حريته إلى الإضرار بحرية الآخرين.
وبهذه القيود والضوابط ندرك أن الإسلام لم يقر الحرية لفرد على حساب الجماعة، كما لم يثبتها للجماعة على حساب الفرد، ولكنه وازن بينهما، فأعطى كلا منهما حقه.
2- أنواع الحرية:
– الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية
– الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية
الصنف الأول: الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية، وهذا الصنف يشمل الآتي:
أ – الحرية الشخصية: والمقصود بها: أن يكون الإنسان قادرا على التصرف في شئون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمنا من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره.
ب-حرية التنقل (الغدو والرواح): والمقصود بها: أن يكون الإنسان حرا في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنع.
والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي، تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه، ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها، بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير (حرية التنقل) بالكتاب والسنة والإجماع.
ج-حرية المأوى والمسكن: فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه، فله حرية ذلك، كما أن العاجز عن ذلك، ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب، حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته.
د-حرية التملك: ويقصد بالتملك: حيازة الإنسان للشيء وامتلاكه له، وقدرته على التصرف فيه، وانتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية.
هـ- حرية العمل: العمل عنصر فعال في كل طرق الكسب التي أباحها الإسلام، وله شرف عظيم باعتباره قوام الحياة ولذلك فان الإسلام أقر بحق الإنسان فيه في أي ميدان يشاؤه ولم يقيده إلا في نطاق تضاربه مع أهدافه أ وتعارضه مع مصلحة الجماعة.
ولأهمية العمل في الإسلام، اعتبر نوعا من الجهاد في سبيل الله، كما روى ذلك كعب بن عجرة –رضي الله عنه –قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا:يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعضها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان).
الصنف الثاني: الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية، وهذا الصنف يشمل الآتي:
أ-حرية الاعتقاد، ويقصد بها: اختيار الإنسان لدين يريده بيقين، وعقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك.فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان، ويجعل المكره مسلوب الإرادة، فينتفي بذلك رضاه واقتناعه، وإذا تأملنا قول الله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، وأقر أن الفكر والاعتقاد، لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أ وتخويفه، أ وتهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره، باطل ومرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، ولا يثبتها في الضمير.
هذا ويترتب على حرية الاعتقاد ما يلي:
1- إجراء الحوار والنقاش الديني، وذلك بتبادل الرأي والاستفسار في المسائل الملتبسة، التي لم تتضح للإنسان، وكانت داخلة تحت عقله وفهمه –أي ليست من مسائل الغيب– وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه، وقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة ورضى وطواعية.
2- حرية ممارسة الشعائر الدينية، وذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية، دون انتقاد أو استهزاء، أو تخويف أو تهديد، ولعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة –أصحاب الديانات الأخرى –من دواعي فخره واعتزازه، وسماحته، فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يثرب –المدينة المنورة –أعطى اليهود عهد أمان، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم وعقيدتهم، وإقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم.
3-حرية التعلم: طلب العلم والمعرفة حق كفله الإسلام للفرد، ومنحه حرية السعي في تحصيله، ولم يقيد شيئا منه، مما تعلقت به مصلحة المسلمين دينا ودنيا، بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله، وسلوك السبيل الموصل إليه، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة، وإنما تتحقق به مضرة ومفسدة، فهذا منهي عنه، ومحرم على المسلم طلبه، مثل علم السحر والكهانة، ونحو ذلك.
ولأهمية العلم والمعرفة في الحياة، نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة قال تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” (العلق: 1-5)، والقراءة هي مفتاح العلم.
4- الحرية السياسية: ويقصد بها: حق الإنسان في اختيار سلطة الحكم، وانتخابها، ومراقبة أدائها، ومحاسبتها، ونقدها، وعزلها، إذا انحرفت عن منهج الله وشرعه، وحولت ظهرها عن جادة الحق والصلاح.
كما أنه يحق له المشاركة في القيام بأعباء السلطة، ووظائفها الكثيرة، لأن السلطة حق مشترك بين رعايا الدولة، وليس حكرا على أحد، أو وقفا على فئة دون أخرى واختيار الإنسان للسلطة، قد يتم بنفسه، أو من ينوب عنه من أهل الحل والعقد وهم أهل الشورى، الذين ينوبون عن الأمة كلها في كثير من الأمور.
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ…” (النساء:58) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأمة المسلمين وعامتهم).
يتبع >>>