تاريخ النشر الأصلي 2019-07-02 02:06:31.
ولد مستر روف Rove المستشرق الإنجليزي عالم الأديان والاجتماع عام 1916م لأبوين أحدهما مسيحي والآخر يهودي في إنجلترا، وقد بدأ حياته بدراسة عقيدة أبويه المسيحية واليهودية، ثم انتقل إلى دراسة الهندوسية وفلسفتها وخاصةً تعاليمها الحديثة، والعقيدة البوذية مع مقارنتها ببعض المذاهب اليونانية القديمة، ثم قام بدراسة بعض النظريات والمذاهب الاجتماعية الحديثة وخاصةً أفكار عالم روسيا الأكبر وفيلسوفها الأعظم ليو تولستوي.
البداية من هنا
جاء اهتمام مستر روف بالإسلام ودراسته للإسلام متأخرة بالنسبة للأديان والعقائد الأخرى، برغم إقامته في بعض البلاد العربية؛ وكان أول تعرُّف له عليه عن طريق قراءاته لترجمةٍ للقرآن الكريم وضعها (رودويل)، إلا أنه لم يتأثر بها؛ لأنها لم تكن ترجمة أمينة صادقة، وكان شأنها في ذلك شأن كثير من الترجمات المماثلة، التي يشوبها الجهل أو الأغراض العدائية، والتي صدرت بعدة لغات أجنبية.
غير أنه -لحسن حظه- التقى بأحد دعاة الإسلام المثقفين المخلصين الذين يتقدون حماسًا له، وإخلاصًا في تبليغه للناس، فقام بتعريفه بعضَ حقائق الإسلام، وأرشده إلى إحدى النسخ المترجمة لمعاني القرآن الكريم، ترجمها أحد العلماء المسلمين، وأضاف إليها تفسيرًا واضحًا مقنعًا بُني على المنطق والعقل، فضلاً عن توضيح المعاني الحقيقية التي تعجز عن إبرازها اللغة الإنجليزية، كما أرشده إلى بعض الكتب الإسلامية الأخرى التي تتسم بالصدق والبرهان الساطع، فأتاح له كل ذلك أن يُكوِّن فكرة مبدئية عن حقيقة الإسلام، أثارت رغبته في الاستزادة من المعرفة به وبمبادئه وأهدافه عن طريق المصادر العلمية غير المغرضة.
وقد أكدت صلاته ببعض الجماعات الإسلامية، ودراسته لأحوالهم عن كَثَبٍ مدى تأثير الإسلام في سلوكهم وروابطهم؛ فتأكَّدت بذلك في نفسه فكرته المبدئية عن عظمة الإسلام، فآمن به كل الإيمان.
أما لماذا أسلم هذا المستشرق الإنجليزي؟
فيصف تجربته لاعتناق الإسلام حيث يقول: “ذات يوم من عام 1945م دُعيت من بعض الأصدقاء لمشاهدة صلاة العيد، وتناول الطعام بعد الصلاة، فكانت تلك مناسبة طيبة لأرى عن قربٍ ذلك الحشد الدوليّ من المسلمين، لا تجد فيهم تعصبًا قوميًّا أو عرقيًّا… هناك قابلت أميرًا تركيًّا وإلى جواره كثير من المعدمين، جلسوا جميعًا لتناول الطعام، لا تلمح في وجوه الأغنياء تواضعًا مصطنعًا أو تكلفًا وتظاهرًا كاذبًا بالمساواة، كذلك الذي يبدو على الرجل الأبيض في حديثه إلى جاره الأسود، ولا ترى بينهم من يعتزل الجماعة أو ينتحي فيها جانبًا أو ركنًا قصيًّا، ولا تلمح بينهم ذلك الشعور الطبقي السخيف الذي يمكن أن يتخفى وراء أستار مزيفة من الفضيلة”.
“ويكفيني أن أقول بعد تفكير وتدبُّر: إنني وجدت نفسي تلقائيًّا أهتدي إلى الإيمان بهذا الدين بعد دراستي جميع الأديان الأخرى المعروفة في العالم دون أن يشد انتباهي، ودون أن أقتنع بأيِّ دينٍ منها”.
ثم أشاد بأخلاق المسلمين وسماحتهم وكرمهم، وأشار إلى قدرة الإسلام على علاج مشكلة التفاوت الاجتماعي والصراع الطبقي بقوله:
“لقد سافرت إلى أقطار كثيرة في أنحاء المعمورة شرقها وغربها، وأتيحت لي الفرصة لأرى كيف يستقبل الغريب في كل مكان، وأن أعرف أين يكون إكرامه أول ما يخطر لي على البال، وأن يكون العُرف الأول هو (التحري عنه وعن المصلحة أو الفائدة التي قد تأتي من مساعدته)، فلم أجد من غير المسلمين مَن يدانيهم في استقبال الغريب والحفاوة به وإكرامه والعطف عليه دون انتظار مقابل، أو دون توقع مصلحة… ومن الناحية الاقتصادية نجد أن الجماعات الإسلامية هي وحدها التي أزالت الفوارق بين الأغنياء والفقراء بطريقة لا تدفع الفقراء إلى قلب كيان المجتمع، وإثارة الفوضى والأحقاد”.
إسهامات المستشرق حسين روف
لقد كان المستشرق الإنجليزي المسلم حسين روف واحدًا من أبرز الباحثين الاجتماعيين الأوربيين الذين درسوا الأديان والمذاهب الاجتماعية دراسة متأنية متعمقة، فبهرته عظمة الإسلام، وسموُّ أهدافه ومبادئه، وقدرته الفائقة على حل المشاكل ومواجهة المتاعب التي يعانيها الأفراد، وتقاسي منها المجتمعات الإنسانية، وملاءمته العجيبة لمختلف البيئات والحضارات على تباينها واختلافها.
وبعد إسلامه كان طبيعيًّا أن يبادر بالدعوة إلى هذا الدين، الذي ملك عليه قلبه وعقله ومشاعره؛ لتبصير مواطنيه بمبادئه السمحة وأهدافه السامية، مع تفنيد طوفان الأكاذيب، وهدم صرح الأوهام والأباطيل التي ألصقها خصوم الإسلام به.
وصدق الله إذ يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
——
- بتصرف يسير من كتاب “عظماء أسلموا” للدكتور راغب السرجاني.