تاريخ النشر الأصلي 2019-07-09 01:09:18.
عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته الناس للإسلام أعظم منهج، وسبيله أقوم سبيل، ولا سبيل لدعوة مثمرة إلا باقتفاء نهجه في الدعوة مع كل أصناف المدعوين. ولقد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع حديثي العهد بالإسلام منهج تبدو ملامحه في حوادث ومواقف عديدة.
وتتعدد شواهد حسن الاستقبال للمسلم الجديد في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان خلق النبي الكريم في معاملتهم وحسن استقبالهم قد بلغ الغاية في السماحة معهم والاهتمام بأمرهم، حتى مع من آذوه في دعوته.
وفيما يلي بعض الأمثلة التي تبين فرحه -صلى الله عليه وسلم- وسروره بالمسلمين الجدد، وحسن استقباله لهم، وطلاقة وجهه عند لقائهم وإكرامهم وحسن ضيافتهم وفتح باب الأمل لهم بعفو الله ومغفرته..
فمن ذلك ما جاء في إسلام خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، فحين قدم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن أبي طلحة -رضي الله عنهم- قال خالد -رضي الله عنه-: “وأُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فسر بنا، فلبست من صالح ثيابي، ثم عمدت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلقيني أخي فقال: أسرع، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بك فسر بقدومك، وهو ينتظركم، فأسرعت المشي فطلعت، فما زال يتبسم إلي حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق فقلت: “إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله”، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً، ورجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير”.
وفد ثقيف
ومن ذلك ما جاء في قصة وفد ثقيف، فقد أنزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفد ثقيف في المسجد وبنى لهم خياماً لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا، ولما أسلموا كان الصحابة -رضي الله عنهم- يقومون على خدمتهم وهم يأخذون حظهم من التفقه والتعلم لدين الله.
قال ابن إسحاق عن بعض وفد ثقيف قال: كان بلال -رضي الله عنه يأتينا، حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما بقي من رمضان- بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخذ العلماء من هذا الأثر جواز إنزال المشرك في المسجد، ولا سيما إذا كان يرجى إسلامه وتمكينه من سماع القرآن ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم.
الاحتفاء بالمسلم الجديد
وأجاز العلماء إظهار الفرح والسرور للمسلم الجديد عند إسلامه وكذلك صنع الطعام له احتفاء به وتأليفاً له على الإسلام.
ومن حسن الاستقبال للمسلم الجديد: فتح باب الأمل والرجاء له عند إسلامه، ويشهد لذلك ما جاء في حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «ما لك يا عمرو؟»، قال: قلت: أردت أن أشترط، قال «تشترط بماذا؟»، قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله».
إن هاجس المسلم الجديد عند إسلامه ذنوبُه التي اقترفها قبل إسلامه، وهو لا يعلم شيئاً عن عظيم عفو الله -تعالى- وسعة فضله، والداعية جدير بأن يحرص على أن يبين للمسلم الجديد أن الإسلام يجبّ ما قبله.
واقتفى المسلمون أثر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالفرح والسرور بالمسلم الجديد، فقد شهد التاريخ أن المسلمين إبان الفتوحات الإسلامية كانوا يخيرون الناس بين الإسلام والجزية، فمن قبل الإسلام صار من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن اختار دين قومه أخذت منه الجزية، فكان من يختار الإسلام يكبر له المسلمون تكبيرة أشد من تكبيرة الفتح فرحاً بإسلامه وهدايته.
ومن هنا فإن متطلبات الدعوة بين المسلمين الجدد كثيرة، وأساس ذلك توعية العامة من المسلمين بدورهم في دعوتهم وحسن استقبالهم؛ فحسن الاستقبال هو أول رسالة إلى المسلم الجديد، وهو يجعله يقبل على الإسلام، كما أن سوء الاستقبال ينفره عنه، وويل للمنفرين، إذ إن التبشير بالإسلام له صور متعددة؛ فقد يكون بالقول أو الفعل أو الهيئة أو المعاملة، وكذلك التنفير من الإسلام قد يكون بالقول أو الفعل أو الهيئة أو المعاملة، وهي مما يشترك فيه عموم المسلمين.
إن بعض المسلمين قد يبخل على المسلم الجديد بابتسامة لطيفة أو بنظرة حانية أو بكلمة رقيقة، فيلقاه بوجه عبوس، وقد يحقر هذه النظرة، ولا يظن أنها قد تكون سبباً في تفكير المسلم الجديد في الرجوع إلى دينه!!
* بتصرف من موقع “مداد”.