تاريخ النشر الأصلي 2019-06-12 11:07:19.
عن أثر الصحبة الصالحة في الآخرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) (رواه الإمام مسلم)
(مقتطف من المقال)
بقلم/ د. محسن هريدي
الإنسان مخلوق اجتماعي بفطرته؛ لا يحب العزلة والوحدة، بل يحب الصحبة وأن يكون وسط آخرين. ولذلك يحرص كل إنسان على أن يكون له صديق يبوح له بأسراره ويتحدث إليه بلا حرج ولا تكلف. ويزداد الأمر أهمية بالنسبة إلى من أخذ قرار الدخول في الإسلام لأن هذا القرار قد يُفقده الكثير من رفقائه وأقرانه. ومن هنا يحرص المهتدي الجديد على أن تكون له صحبة صالحة تعينه على أمر دينه وتأخذ بيده خلال الفترة الانتقالية التي تعقب النطق بالشهادتين. فانبذ أخي المهتدي الوحدة والعزلة حتى لا تسيطر عليك وساوس الشيطان.
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك حيث قال: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ…) (رواه الترمذي).
وعن أهمية اتخاذ الصاحب الصالح يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) (رواه أبو داود).
ونلاحظ أن النبي استخدم لفظ خليل أي الصديق المقرب إليك جدا وليس مجرد صديق عادي، كما أن النبي استخدم كلمة الدين لشدة تأثير الصاحب في صاحبه خاصة فيما يتعلق بأمور الدين.
ومن أجمل ما قرأت عن تعريف الصديق ما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه: أحب إخواني إلى قلبي من أكون معه كما أكون وحدي وأثقل إخواني على قلبي يتصنع لي وأتصنع له ويتكلف لي وأتكلف له.
فالصديق الصالح هو من صار جزءا منك ولا تشعر معه بغربة أو تكلف.
فاحرص أخي المهتدي العاقل على أن تفكر في أصحابك، هل هم أصحاب سوء أم أصحاب خير؟ فإن كانوا أصحاب سوء فابتعد عنهم وإن كانوا أصحاب خير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقربهم إليك.
وابحث عن صديق يتقاسم معك –أخي المهتدي– همومك وأحزانك، ويساعدك على أمر دينك ودنياك وينبهك إذا أخطأت وينصحك إذا احتجت إلى النصح، ويذكرك بالله دائما.
وتذكر أن صديقك مرآة لك يذكرك بعيوبك ويوجهك إلى السلوك القويم.
والصديق الصالح هو الذي يأخذك إلى المحاضرات الدينية ومراكز تعليم اللغة العربية ومراكز تحفيظ القرآن.
واعلم أخي المهتدي أن الصديق الصالح هو الذي سبكي عليك بعو موتك وهو الذي سيقف أمام قبرك ويدعو لك بالثبات عند سؤال الملكين والمغفرة، وهو الذي سيحرص على يعمل عملا خيريا يكون لك صدقة جارية يصل ثوابها إليك. قال بعض الحكماء من السل: “عاشروا الناس معاشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن متم بكوا عليكم.”
وعن أثر الصديق الصالح يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً).. وعن أثر الصحبة الصالحة في الآخرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) (رواه الإمام مسلم).
ومعنى الحديث أن الإنسان يحشر مع من أحب ويكون رفيقا له؛ فمن أحب الصالحين حشر معهم، ومن أحب الطالحين حشر معهم. ويؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل: “وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” (النساء:69).
ومن الأمور التي ستتأثر بها أخي المهتدي علاقة صاحبك بأهله؛ فإذا كان يعاملهم بأدب واحترام فسوف تنعكس هذه العلاقة على علاقتك بأهلك كذلك. كما أنك ستتأثر بصاحبك ونجاحاته في الحياة، فإذا كان طموحا وله هدف في الحياة فبالطبع ستغار منه وتبذل قصارى جهدك لتكون مثله فكما يقولون الصاحب ساحب.
وتأكيدا لهذه المعاني نقرأ في القرآن الكريم: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً” (الفرقان 27-29).
أتدري فيمن نزلت هذه الآيات؟ يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره: نزلت في حدث خاص باثنين: عقبة بن أبي معيط، وكان رجلاً كريماً يُطعم الطعام، وقد دعا مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه، لكن رسول الله اعتذر له وقال: لا أستطيع أن أحضر طعامك إلا أنْ تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلما شهد الرجل الشهادتين زاره رسول الله وأكل من طعامه، فأغضب ذلك أمية ابن خلف صاحب عقبة فقال له: لقد صبوتَ يا عقبة، فقال عقبة: والله ما قلتُ ذلك إلا لأنني أحببتُ أن يأكلَ محمد عندي كما يأكل الناس، فقال أمية: فلا يبرئك مني إلا أنْ تذهب إلى محمد في دار الندوة فتطأ عنقه وتبصق . . إلخ، وفعل عقبة ما أشار عليه به صاحبه.. فنزلت الآية: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ يَقُولُ يا ليتني اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلاً“(الفرقان:27).
فعليك أخي المهتدي أن تقلب دفاترك وتبحث عن الناجح والمتقدم والصالح ممن حولك. أخبره بمحبتك له وأعلن له عن هدفك من صحبته وهو أنك تريدا صديقا يعينك ويأخذ بيدك إلى الجنة.
واختر الصديق الوسطي غير المتشدد لأن المتشدد سيضرك بأفكاره.
واحرص على التواصل معه من خلال الزيارات المتبادلة والاتصال به هاتفيا وإن غاب عنك اطمأن عليه عبر البريد الإلكتروني، فالمهم أن تتواصل معه بشكل دائم.
كما يمكن أن تقدم هذا الصديق الصالح لإخوانك ممن اعتنقوا الإسلام بعدك حتى تساعداهم في تعلم أمور دينهم الجديد.
والآن أتركك مع بعض المأثورات عن الصحبة الصالحة.
مأثورات عن الصحبة الصالحة
قال الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه):
فلا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى *** حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه
و للشيء من الشيء *** مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب *** دليل حين يلقاه
وقال أحد الحكماء: لا تصحب إلا أحد رجلين: رجل تتعلم مِنه شيئا ًفي أمر دينك فينفعك، أو رجل تعَلِّمه شيئًا في أمر دينه فيقبل منك، والثالث فاهرب منه.
ويروى أنه لما حضرت علقمة العطاردي الوفاة دعا بابنه فقال: “يا بني، إنْ عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإنْ قعدت بك مؤونة مانك، اصحب من إذا مددت يدك بخير مدّها، وإنْ رأى منك حسنة عدّها، وإنْ رأى منك سيئّة سدّها، اصحب من إذا سألته أعطاك، وإنْ سكت ابتدأك، وإنْ نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإذا حاولت أمراً أمرك، وإنْ تنازعتما آثرك”.