تاريخ النشر الأصلي 2019-10-05 23:50:48.
العلم.. أجلُ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعز ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين.
والعلماء.. هم ورثة الأنبياء، وخزَّان العلم، ودعاة الحق، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة الله وطاعته، يوجهونهم وجهة الخير والصلاح.
قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة: 11). وقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9).
وإذا أرادت أمة أن تترقى في مدارج العز والتمكين فأول ما ينبغي عليها أن تعلي من شأن العلم والعلماء ومعلمي الناس الخير؛ فلا ينبغي أن يقدم على العلماء والمعلمين أحد، كما ينبغي بذل ما يجب لهم من الاحترام والتوقير والتأدب، قال شوقي رحمه الله:
قــم للمــعــلــم وفـــه التبجـيـــلا ***كاد المعلم ان يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسا وعقولا
النهضة والمعلم
وفي عصور نهضة الأمة ورفعتها كان للمعلم وللعلماء الحظ الأوفر من الرعاية والتكريم.
حضر زيد بن ثابت رضي الله عنه جنازة فلما أراد ان ينصرف أخذ عبد الله بن عباس بركاب زيد (وهو الحديدة التي يضع فيها قدمه ليركب الدابة) فقال له زيد: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنا هكذا نصنع بعلمائنا.
وكان الإمام أبو حنيفة لا يمد رجليه ناحية بيت معلمه حماد رحمه الله احتراما له، وبين بيت أبي حنيفة وبيت معلمه المسافة الطويلة.
وكان الإمام الشافعي رحمه الله إذا جلس في مجلس الإمام مالك رحمه الله يقلب الأوراق برفق شديد حتى لا ينزعج معلمه الإمام مالك.
أما الربيع بن سليمان فيقول عن نفسه: والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له.
وهذا هارون الرشيد الذي حكم نصف العالم والذي كان يخاطب السحابة العابرة فيقول: “أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك”، يطلب من الإمام العالم الأصمعي أن يؤدب له ولديه وأن يعلمهما، وفي ذات يوم مر هارون الرشيد فرأى الأصمعي يغسل قدمه والذي يصب له الماء هو ابنه، فطلب هارون الرشيد الأصمعي وقال له: إنما دفعت به إليك لتعلمه وتؤدبه أفلا طلبت منه أن يصب الماء بإحدى يديه وأن يغسل قدمك باليد الأخرى؟.
وهذا الخليفة المأمون كان قد طلب من الفراء أن يعلم ولديه النحو، وفي يوم من الأيام أراد الفراء أن يقوم من مجلسه فتسابق الولدان إلى نعل الفراء أيهما يقدمه له فاختلفا فيمن يفعل ذلك، وأخيراً اتفقا على أن يقدم كل منهما واحدة.. ورفع الخبر إلى المأمون، فاستدعى الفراء وقال له: من أعز الناس؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين. قال: بلى، إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل منهما أن يقدم له فردا، فظن الفراء أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر بأنه حاول منعهما فأبيا، فقال المأمون: لو منعتهما لعاتبتك.. إلى أن قال: وما وضع ما فعلاه من شرفهما بل رفع من قدرهما.
وصدق والله ابن عباس إذ قال: ذللت طالبا فعززت مطلوبا. فإن التواضع للمعلم واحترامه يجعله يعطيك كل ما عنده فيحتاج الناس إليك ولو بعد حين.
وقد ذكرت بعض وسائل الإعلام أن إمبراطور اليابان سُئل ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير.
كما ذكر أن القضاة في ألمانيا حينما طالبوا بأن تتم مساواتهم في الرواتب بالمعلمين، ردت عليهم المستشارة أنجيلا ميركل مستنكرة بقولها الشهير: كيف أساويكم بمن علموكم؟.
الواجب تجاه المعلم
من الأمور الواجبة تجاه المعلم والمربي:
1- حسن التعامل معه وتوقيره وتقديره؛ فهو بمنزلة والدك.
2 – الحرص على الاستفادة منه؛ فهو يملكك أمورا كثيرة لا تملكها، ولديه ما ليس عندك.
3- الحرص على الاقتداء به في الأعمال الصالحة والحسنة.
4- أن تدافع عن عرضه وتحرص على الابتعاد عن اغتيابه.
5- أن تجعل له نصيبا من دعائك، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن مما يلحق المرء في قبره من عمله دعاء ولده الصالح، والتلميذ بمنزلة الولد الصالح.
6- أن تعلم أنه بشر لا يخلو من الخطأ، وعليك تجاه خطئه ما يلي:
– ألا تقتدي به في الخطأ بل تجتنبه.
– أن تستر أخطاءه وعيوبه ولا تبديها لغيرك من الناس وألا ترضى أن تكون مجالا لانتقاده أمامك من قبل الآخرين.
– أن تلتمس له العذر فيما يقع فيه من خطأ.
– أن تناصحه وتنبهه على ذلك مراعيا فارق السن والمنزلة وحريصا على اختيار الأسلوب الحسن والملائم لذلك.
7- أن تعلم أن هناك جوانب من القصور في شخصيته باعتباره بشرا؛ فالبشر لا يخلون من ذلك، فعليك ألا يؤدي بك إدراك هذه الجوانب إلى الحط من شأنه أو التخلي عنه، وعليك أن تسعى لإكمال هذه الجوانب لديك من مصادر أخرى.
- بتصرف من موقع “إسلام ويب”.