تاريخ النشر الأصلي 2018-07-13 10:24:41.
ومن بين الصلوات، خُصت صلاة الفجر بمزيد من الأجر، وعظيم الفضل، وحظيت بجزيل الثواب.
فهي محك الإيمان، وعلامة التسليم والإذعان، يتمايز فيها المؤمن من المنافق، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا الظن به) (رواه الطبراني وبن خزيمة)…
(مقتطف من المقال)
يحيى بن موسى الزهراني
فضلت الصلاة على سائر العبادات إلا التوحيد، واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ) (رواه مسلم)، وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) (رواه الترمذي وغيره).
ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات، بل عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه هناك بلا واسطة، لتعلم الأمة منزلة الصلاة، ولتقدر لها قدرها، وتعلي شأنها، فالصلاة عمود الإسلام و فسطاطه، فإذا سقط العمود، انهدم الدين والعياذ بالله، فلا دين لمن لا صلاة له.
ومن بين الصلوات، خُصت صلاة الفجر بمزيد من الأجر، وعظيم الفضل، وحظيت بجزيل الثواب.
فهي محك الإيمان، وعلامة التسليم والإذعان، يتمايز فيها المؤمن من المنافق، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا الظن به) (رواه الطبراني وبن خزيمة).
صلاة الفجر بمثابة الاختبار نهاية العام، فكأن الصلوات الأخرى بمثابة التهيئة لها، وهي الاختبار الحقيقي، من حضرها نجح وأفلح، ومن غاب عنها خسر وخاب.
فكما أن الطالب إذا حضر طوال العام، وتغيب عن الاختبار عُدَّ من الراسبين، فكذلك صلاة الفجر، من لم يحضرها كان من الخائبين الخاسرين.
ورتب الشرع الحكيم على المحافظة عليها أجوراً لم ينلها غيرها من الصلوات، فصاحب صلاة الفجر محاط بالفضائل، ومبشر بعظيم البشائر، فمن تلكم البشائر ما يلي:
البشارة الأولى للمحافظ على صلاة الفجر
النور التام يوم القيامة
منذ خروج المصلي من بيته لأداء الصلاة والبشائر تنهال عليه من كل جانب، عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
معنى ذلك: أن من لم يمشي لصلاة الفجر، فلا نور له يوم القيامة، وهذا أول نتائج الحرمان للمتخلف عن صلاة الفجر، حُرم النور يوم القيامة.
فكما أن للمحافظ على صلاة الفجر له بشائر ومفرحات، فكذلك من لم يكن من أهل صلاة الفجر، فليبشر بالوعيد، والعقاب الشديد.
البشارة الثانية
خير من الدنيا
إذا أدى المصلي سنة الفجر فهي خير من الدنيا وما فيها، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا).. رواه مسلم، يعني سنة الفجر.
فالمحافظ على صلاة الفجر في جماعة يحصل له البشر، وعظيم الأجر، والفرح والسرور، والغبطة والحبور، بما يجده من لذة صلاة الفجر، وكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
أما المتخلف عن صلاة الفجر، فلا يحصل له من الدنيا إلا الخزي والعار، وسوء الخلق، وضيق المنطق، وتراه مقطب الجبين، عابس الوجه، كما أن الناس ينظرون إليه نظرة غير سوية، نظرة ازدراء واحتقار، إذ كيف تكون مسلماً ولا تحافظ على صلاة الفجر، التي هي المحك الحقيقي لأهل الإيمان وأهل النفاق.
البشارة الثالثة
حصد الحسنات
حين يجلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَالْقَاعِدُ فِي الْمَسْجِد يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ كَالْقَانِتِ، وَيُكْتَبُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ) (أخرجه أحمد).
الله أكبر.. كم يخسر المفرط في صلاة لفجر من الأجر العظيم، والثواب الجزيل، والخير الوفير، كم يفقد من حسنات، حسنات ركعتين قبل الفجر، وحسنات الخطوات إلى المسجد، وحسنات قراءة القرآن لحين إقامة الصلاة، وحسنات الانتظار داخل المسجد إلى إقامة الصلاة، لو حسبت هذه الحسنات لأصبحت ملايين، لأن الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
وكم يخسر المفرط في صلاة الفجر من دعاء الملائكة له، وهم عباد الرحمن، لا يعصونه طرفة عين، ولا أقل من ذلك، بل خلقوا لأجل العبادة فقط، فيخسر تارك صلاة الفجر دعاء ملائكة الرحمن له بالرحمة والمغفرة، إنه عمل كريم يضيعه من لم يحافظ على صلاة الفجر في بيوت الله تعالى، حيث ينادى لها هناك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ مَا قَعَدَ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فِي صَلاَةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَدْعُو لَهُ الْمَلاَئِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) (رواه أحمد).
البشارة الرابعة
شهادة الملائكة
إذا أقيمت الصلاة وشرع المصلي في أدائها، فها هو يقف بين يدي الله ملك الملوك، الذي بيده خزائن السموات والأرض، الغني الحميد، وتشهد له ملائكة الله، قال جل في علاه: “أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً” (الإسراء78).
مشهوداً أي: تشهده الملائكة، أما المفرط في صلاة الفجر، فيخسر شهادة الملائكة له، عندما تجتمع الملائكة ليكتبوا عباد الله الذين أذعنوا لأمر الله تعالى، واستجابوا له، بأداء الصلاة في المسجد في وقتها المقدر لها شرعاً، أما من لم يحضر صلاة الفجر، فسوف يكتب مع النائمين الغافلين، التاركين لصلاة الفجر، فما موقفه أمام ربه وخالقه، وما عذره عن التخلف عن الصلاة؟
ما عذره عندما تتطاير الصحف يوم القيامة، وتنشر الدواوين، ويستلم كل إنسان كتابه، فآخذ باليمين، وآخذ بالشمال؟ ما عذره عند من لا تخفى عليه خافية؟
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (تَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ)، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: “إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً” [ متفق عليه ] .
كم يخسر المفرط في صلاة الفجر من حسنات، وكم يفقد من درجات، وكم يوضع عليه من سيئات، وكم ينزل في الدركات.
البشارة الخامسة
دخول الجنة والنجاة من النار
إذا أقيمت الصلاة وشرع المصلي في أدائها، فيا له من فوز وأجر، وعظيم الفضل وجليل البشر.
ها هو يقف بين يدي الله ملك الملوك، فارج الهم، وكاشف الغم، الذي بيده خزائن السموات والأرض، الغني الحميد، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) (يَعْنِى الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ) رواه مسلم.
ومن لم يصلي الفجر والعصر فلن يحصل على هذه البراءة من النبي صلى الله عليه وسلم، بل ربما ولج النار والعياذ بالله.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ) متفق عليه، والبردان: هما الفجر والعصر.
ومن لم يصلي الفجر والعصر لم يكن مع أولئك الرجال الذين تركوا الفراش الوثير، والدفء المرغوب، لن يكون مع أولئك الذين استجابوا لربهم عندما سمعوا منادي الله وهو يصدع بالأذان وهو يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، فالصلاة فيها فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، ومن لم يصلها فلا فلاح له ولا نجاة، نسأل السلامة والعافية.
_______________________________________________
المصدر: بتصرف يسير عن موقع صيد الفوائد